اليوم العالمي للكتاب وجائزة الكتاب العربي عبد الرزاق بلعقروز

 يُعَدُّ اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، الذي أقرته اليونسكو سنة  1995، لحظة من لحظات الوعي بالدَّور الحاسم للمعرفة و القراءة في تنمية المجتمعات، وفي رفع قيمة المعرفة كبنية للتَّواصل بين الثقافات بخاصة المعاصرة منها، وإن كان من دور للثقافة و الكتاب فهو اليوم لافت؛ وبكل قوة : فالتَّعارف والتَّواصل الذي يكون لسانه الكتاب؛ هو أمتن التَّعارفات والتَّواصلات، والمجتمع الذي يؤسس لنهضته انطلاقا من فعل القراءة هو مجتمع يرسي قواعده في تربة متماسكة وخصبة ومثمرة ، لأجل ذلك؛ فإن الثقافة العربية؛ والتي هي ثقافة الكَلِمْ والحرف والمعرفة، من الحري بها، استنئاف هذا العطاء وتقديمه للإنسانية من جديد، من خلال بناء الصِّلات المعرفية مع مجتمعات اليوم، والتَّعريف بالموروث الثقافي العربي المبدع، وتثقيف هذا الفضاء الكوني الذي هو في امتساس الحاجة إلى الكتاب أكثر من حاجات أخرى، واعتقد أن الثقافة العربية حقيقة بهذا الدَّور الحضاري.

وفي ظل هذا الحاجة إلى تنمية العقول بالمعرفة وتقدير الكتاب، تأتي جائزة الكتاب العربي، كي تكون في طليعة المشاريع التي تكتشف المبدعين في الفضاء العربي، وتنتخب الكتب التي يمكن لها الاضطلاع بدور التثقيف والبناء؛ فهي فضلا عن كونها جائزة لها دور حضاري؛ فإنَّ مدارات اهتمامها تلامس الحيّز الرُّوحي في الإنسان، أي مكونات الإنسان الفكرية والتاريخية واللسانية والشرعية والعلمية، ذلك أنّ منحى مقاصدها إنّما هو : نظام الإنسان و ليس نظام الطّبيعة؛ وهذا ما أكسبها مكانة رفيعة وشأنا جليلا؛ وإذ تبينت قيمة الجائزة، فإننا جدراء بأن نصرف القول بأن جائزة الكتاب العربي، قد ولدت بصيغة من صيغ الاكتمال والجودة، نتلحَّظ هذا، في الإقبال على الترشح لها، وتنوع  من يتقدم لها أيضا، وفي احتضانها من دولة قطر، الذي باتت اليوم مركزا من مراكز الإشعاع العلمي والثقافي في عربيا وعالميا.

وأما عن تجربتي في الفوز، فقد كانت مليئة بالفرح والشُّعور بالمسؤولية الحضارية تجاه واجبنا نحو عوالم الثقافة العربية والإنسانية، وكانت أيضا تعزيزا لدور الفلسفة ضمن آفاق تنمية الإنسان، ليس فقط من جانبه المادي، بل من جانبه الفكري و الرُّوحي؛ وهذا الأخير هو أكثر أهمية في ظل عالم؛ يتجه نحو فقدان إنسانية الإنسان الروحية و الأخلاقية وحتى العلمية، ففوزي بهذه الجائزة ، إنما هو تكليف حضاري باستمرار القراءة وإنتاج الكتاب الموجه نحو حاجات الإنسان الروحية والفكرية؛ فالكتاب ليس مجرد خواطر وحروف مخطوطة؛ بل هو فعل روحي يكابد أزمات الواقع ويجتهد لأجل إنارة الدروب نحو الأدوات التي ترتفع بالإنسان من حضيض التقليد واللاّمعنى إلى يفاع الاستبصار ورؤية معالي الأمور . فالحرف إذن، يجب أن يسكن في مشروع تغيير الإنسان نحو الأفضل، وليس فقط وصفه وتحليل أفعاله . فالواجب هنا، يفوق الواقع .    

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحسين التَّقبيح وتقبيح الحسن : حول صناعة المحتويات السَّافلة

في سؤال التغيير عبد الرزاق بلعقروز

التَّجربة و الآفاق الإدراكية الواسعة ..... عبد الرزاق بلعقروز