علي عيسى عثمان، مفكر فلسطيني منسي، ج1، عبد الرزاق، بلعقروز،

       فضلا عن الذَّخيرة التَّاريخية وحمولة القداسة التي تمتاز بها فلسطين، فإن ثمة منطقة ذات شأن معرفي متين، هي منطقة الفلسفة والاهتمام بها، وتوظيفها في مشروع البناء التربوي والحضاري لأجل تحرير فلسطين، وبالتّالي الوعي الحاسم بالمسألة التربوية إذ التَّربية هي الوظيفة المقَّدسة؛ لأجل بناء ذات جديدة، تقتدر على المقاومة وتقتدر  على التحرر من الكيان الصهيوني المحتل، وفي هذا الموضوع، يظهر فلاسفة عديدون من فلسطين، كانت أفكارهم، هي الخلاصة  التي تعكس هم التحرر التَّحرر في فلسطين، إذْ المُكتوي بالنَّار والمصطلي بها ليس كالمتفرّج عليها؛ لذا، فإنَّ تجاربهم المعرفية تقُصُّ سيرة النِّضال والقلق والحيرة على مستقبل فلسطين، وضمن هذا الخط، تظهر لنا كتابات إدوارد سعيد 1935/2003م وإسماعيل راجي الفاروقي1921/1986م ووائل حلاق 1955/.... وجلُّ مشاريعهم التحم فيها الفكر بالدَّم، وباتت الكتابة عندهم هما حضاريا لا مجرّد وظيفة مهنية . ولعل من الشَّخصيات الفلسفية التي لها وزنها وقدرها، شخصية علي عيسى عثمان[1]، الذي يكتسب قيمته ليس فقط من تجربته الفكرية العميقة، أو من المراكز الإدارية التي تولّى تسيير شؤونها، بل من رسو التفكير عنده في أهمية البناء المعرفي والتربوي كمقدمة حاسمة لأجل التحرُّر والتَّجديد، وكذا نظراته المعرفية والتَّربوية في فهم الشَّخصية اليهودية ومكاشفة الأسباب التربوية الكامنة وراء قوتها[2] . ويجدر صرف القول هنا، أن المحرك الأساسي لجل مشروع «علي عيسى عثمان»الفكري إنّما هو هذا السؤال: لماذا فشل العرب في انقاذ فلسطين؟ خاصة وأنه عايش تلك الفترة، وحينها أي في سنة 1948 كان طالبا في أمريكا، سافر إليها سنة 1947 لأجل فلسطين، لكن لما ضاعت فلسطين؛ ضاعت معها الغايات التي لأجلها سافر من أجل طلب العلم، فتحوَّل الهم من ضياع فلسطين؛ إلى البحث عن الأسباب التي جعلت العرب غير قادرين على انقاذها. وهنا، بدأت الرحلة .

1. بداية حائرة وقوالب مسبقة

  يشير علي عيسى عثمان، إلى أنَّ دراسته في أمريكا كان من بواعثها الأساسية، البحث عن الدَّلائل العلمية، التي تثبت أنَّ الدِّين، هو المسؤول عن تخلُّف الأمم، يقول معبرا عن هذه الحقيقة "فالتحقت بجامعة شيكاغو لدراسة الإسلام، لا لأتعرّف عليه، ولكن لأفتّش عما فيه من خصائص تسبب التخلُّف في من يؤمنون به ويتّبعونه، وأقبلت بنهم شديد على قراءة ما كتبه المستشرقون عن الإسلام وعن العرب وعن المسلمين"[3]

وواضح هنا، أثر القوالب المسبقة التي كانت توجِّه غاية التَّعليم والمعرفة، علما أنَّ «علي عيسى عثمان»تلقى كما يشير هذه الأفكار، من المدارس التَّبشيرية"مدرسة تراسانطة"، ومن الجامعات الأمريكية التي لم يكن في مناهجها التَّعليمية أشياء حقيقية عن العرب أو عن المسلمين ولا حتىَّ عن مصر، فكانت النِّهاية ضمن هذه المسيرة التَّعليمية رسوخ القاعدة التَّالية في مصادر التفكير "أنّ الغربيين هم موضع الثقة فيما يبحثون عنه وما يدرسونه لما عُرف عنهم من جلد وموضوعية "[4].

وهنا ؛كما يبدو باتت الأقوال الاستشراقية هي مصدر الفهم من جهة، ومصدر تفسير أسباب الإخفاقات من جهة أخرى، ومن الأشياء التي يجدر ذكرها، أن أوربا قد تحقَّقت بالنَّهضة، لمّا انفصلت عن الدين، وحاربت رموزه، ولأجل هذا كانت حركات الكفاح الحزبية، ضد الاستعمار تدعو هي الأخرى إلى نهضة عربية تتحرر من قيود الدِّين والأطر التقليدية، لأنها ترى في تجربة أوربا مثالها النموذجي.

لكن  علي عيسى عثمان، الذي تشكَّل فكره ضمن هذه القوالب، لم يكن يطمئن إلى ما يقوله الاستشراق عن حياة العرب والمسلمين، فالبيئة التي عاش فيها وكلام المستشرقين حولها لا يتوافقان "ولكن تلك الثقة بدأت تتبدّد في نفسي شيئا فشيئا، ووجدتني لا أرتاح لما يقولونه من أشياء عن العرب وعن المسلمين والإسلام، كنت أعرفها معرفة شخصية بالخبرة و النَّشأة في بيئة عربية إسلامية"[5]. ولا يخفى هنا، أن بداية تبديد الثقة في ما يقوله الغربيون، قد دفعت فيلسوفنا إلى الانكباب على قراءة المصادر العربية وعلى تكثيف القراءات الاستطلاعية التي انتهت به؛ إلى أهمية كتابات أبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505/1111م، وباتت تجربته في الحيرة  والتخلص من أسر التقليد شبيهة بتجربة أبي حامد؛ يقول علي عيسى " كانت كتابات الغزالي محطة حاسمة في تكويني الفكري تلاشت بعدها قناعاتي السَّابقة...وصرت أنا نفسي موضوعا للبحث أتقصَّى لنفسي به جذور تلك القناعات في نموي الفكري، وتبين لي أنَّ تلك القناعات السَّابقة، كانت هي القوالب الفكرية التي كنت أحكم بها على الدين عامة وعلى الإسلام خاصة، والتي كنت أدرك بها واقع أمتي، والتي كانت وراء ما كنت أتمناه لأمتي، ووراء رغبتي في نقل الحضارة الغربية وبكل إنجازاتها الفكرية والعلمية و الأدبية و السياسية وغيرها إلى واقع أمتي بديلا عن الواقع المتوارث "[6].

من كل ما سبق يضح لنا ما يلي :

·       تُعَبِّر بداية سيرة «علي عيسى عثمان» عن روح فلسفية قلقة تبحث ولا تكتفي بالقراءات السياسية للأحداث، بل تسعى لأن تَسْبر في الأغوار الثقافية البعيدة

·       تُعَبِّر سيرته عن أثر القوالب الفكرية في توجيه التفكير، كما تعكس أهمية استحضار تجربة النموذج الثقافي الذاتي في تقويم ما يرد من أفكار واحكام.

·       القراءة المكثقة هي المسلك الآمن نحو معرفة الحقيقة ونحو اكتشاف نسبية الأحكام والمواقف .

·       التجارب الحضارية المسيطرة ليست معايير  للحقيقة الفكرية والثقافية.

 



[1] هو مفكر وفيلسوف فلسطيني، ولد سنة 1920 بقرية صفافا بالقرب من القدس، تابع تعليمه العالي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم إلى سيراكيوز وشيكاغو بأمريكا،  من مؤلفاته : الإنسان عند الغزالي بالإنجليزية وترجم إلى اللغة العربية/، فلسفة الإسلام في الإنسان/، الإسلام و النظام العالمي بالإنجليزية،/ وكتاب: لماذا الإسلام وكيف.

 

جاء في إهداء أحد كتب علي عيسى عثمان : إلى فلسطين محرر من أسر اليهودية .[2]

 علي عيسى عثمان، لماذا الإسلام وكيف، الأردن: دار النفائس، ص 8.[3]

نفسه ، ص 9.[4]

[5]

نفسه، ص 9.[6]

 



[1] هو مفكر وفيلسوف فلسطيني، ولد سنة 1920 بقرية صفافا بالقرب من القدس، تابع تعليمه العالي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم إلى سيراكيوز وشيكاغو بأمريكا،  من مؤلفاته : الإنسان عند الغزالي بالإنجليزية وترجم إلى اللغة العربية/، فلسفة الإسلام في الإنسان/، الإسلام و النظام العالمي بالإنجليزية،/ وكتاب: لماذا الإسلام وكيف.

 

جاء في إهداء أحد كتب علي عيسى عثمان : إلى فلسطين محرر من أسر اليهودية .[2]

 علي عيسى عثمان، لماذا الإسلام وكيف، الأردن: دار النفائس، ص 8.[3]

نفسه ، ص 9.[4]

[5]

نفسه، ص 9.[6]



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحسين التَّقبيح وتقبيح الحسن : حول صناعة المحتويات السَّافلة

في سؤال التغيير عبد الرزاق بلعقروز

التَّجربة و الآفاق الإدراكية الواسعة ..... عبد الرزاق بلعقروز