أيُّ دور للثقافة في ظل الوباء البيولوجي ؟ . عبد الرزاق بلعقروز


   إن الإجابة عن هذا السُّؤال المتعلق بالدَّور الحالي للثقافة في ظل الوباء البيولوجي، يتوقَّف أولا على المفهوم الذي نحمله عن معنى الثقافة في مُخيّلتنا وفي أعمالنا، فمعنى الثقافة هو الأمر الحاسم لمعرفة ما إذا كان لها دور أم لا . فإذا كان البعض لازال يرى بأن الثقافة هي الموروث الرَّمزي لمجتمع من المجتمعات من غير دور له في الواقع، فإنَّ هذا المفهوم جامد لا حركة فيه، ومُتَزمّنُ (توقُّف الزّمن) لا جريان معه. والبعض الآخر يرى بأن الثقافة هي وحدة أسلوب الحياة في مجتمع من المجتمعات من غير قوة في هذه الحياة أو حركة فيها، فإنَّه مفهوم لا تاريخي ولا حركي. أما المفهوم الذي نراه ضمن هذه التَّحديات الجديدة، فيرتبط بالبعد الأخلاقي والقيمي للإنسان، فالثقافة هي فعل في هذا العالم وليس فقط سكن فيه ، وروح هذا الفعل هو تقويم  الأفكار و الأفعال  التي تظهر وتُعَطّل حركة الإنسان في العالم أو تَصْرف سعيه عن الإبداع و التَّجاوز والإقدام . فالثقافة إذن؛ هي نمط متميّز من الوجود المتميّز للإنسان ومعجمه التأويلي للعالم لا يُعرف إلاَّ  مفردات : الحياة والحركة والإثبات والقوة المعنوية و الـتأثير والتَّجاوز والفعل النّوعي. وإذ عُرف  هذا المفهوم الحيوي حول الثقافة وكان قصدنا هو رسم دورها الحيوي في ظل هذا الوباء البيولوجي فإننا نقول :
v  للثقافة دور حاسم  ومكين في هذا الظّرف الذي نمر به وتمر به الإنسانية، فلها الدَّور التقويمي لمجمل  الأفكار و الأفعال الحائدة عن  مطالب الصّحة الفكرية والبيولوجية، فالتَّثقيف هنا فعل توجيهي وإسهام تطوعي نراه في ما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني من تفريج للكروب وإعانة لمن هم في مسيس الحاجة إلى متطلَّبات الصّحة العمومية. وهنا لابد من القول أن هذه القوة التَّضامنية في روحها فهل ثقافي، لأنّها سعي لأجل إعادة الاعتدال والصحة للمجتمع وتجسيد للقيم الإنسانية التي تَوَهَّمُ البعض أنها انتهت أو باتت سَرديات تاريخية ميّتة .
v  كما قامت الثقافة في مُكَوّنها الفكري بنشاط تثقيفي وتعليمي، ظهر في مجمل النَّشاطات العلمية (محاضرات، حوارات، دروس ...) في المجال الافتراضي، فالعُزلة في البيت أحيت ما كان ميّتا ، أي حضور الفكر  بقوة في عوالم المجال الافتراضي، وفتحت المكتبات أبوابها ونشر المفكرون و المبدعون أفكارهم صوتا وصورة ، فكان هذا الأمر مظهرا لافتا على دور الثقافة في هذه الجائحة البيولوجية، فضلا عن انتشار الحوارات النقاشية وتحرك المؤسسات التَّعليمية (جامعات، مدارس، مراكز بحثية، جمعيات ثقافية.. نحو التعليم و التثقيف بالأداة التقنية . وهنا لابد من صرف القول أنّه لولا الثقافة والعالم الفكري وأدواته الافتراضية (الإنترنيت) لكان للعزلة و البقاء في البيت طعما مرا ، لا تقوى على تحمله إلا القلوب القليلة، فَقَوْتُ العزلة و البقاء في البيت هي الثقافة ( فكر، معرفة، فنون ، ....وهذا الأمر يعني أن الإنسان ليس كتلة بيولوجية تتحيّز في مكان، وإنما هو روح ثقافية تفكر وتشعر وتفهم وتسأل، فالثقافة هي الوجه الباطني من الإنسان إذا كانت الكتلة البيولوجية هي وجهه الظاهري، ومعلوم أن الباطن والمستور هو أكثر قيمة وأهمية من الظَّاهر والجلي.
v  وإذا كانت هذه الأمور قد تحقَّقت باعتبارها شاهدة على دور الثقافة في هذه الجائحة البيولوجية، فإن جهدها المستمر (أي الثقافة)، أن تعمل على تقوية المكون الروحي في الإنسان، أو بعبارة أخرى: تعمل على تكوين ثقافة الالتزام وحفظ الحدود والانضباط، لأن وراء التَّعدّي للحدود والتحرر الوهمي من الالتزام  لايوجد إلاّ التوحُش والفوضى. ولعلَّ هذا الأمر قد بدى في مرحلة الحجر الصحي، أين لم يلتزم جزءا من المجتمع  أولم ينضبط بالقواعد العامة لحفظ الصحة في مواقيتها. وإذ تبيّن هذا فإنّه حري بالثقافة مستقبلا أن تعمل على علاجه وأن تكون جهود أهل الثقافة في الجزء الأكبر منها؛  تقوية هذا الحس الأخلاقي والمكون الروحي في الذات، لأن الموارد الرُّوحية هي المخزون الذي تفر إليه المجتمعات وقت جوائحها .
نستخلص مما تقدم أن الثقافة لابد أن تكون فعل تغييري وتعديلي للإنسان فكرا وقولا وعملا، فعل مستمر وقوي وزاخر بالقيم الإنسانية السَّامية، وفي ظل الجائحة البيولوجية، قامت الثقافة بدور إنقاذي لذات الإنسان،  فإذا كان الدَّواء يقوم بإنقاذه بيولوجيا، فإنَّ الثقافة قد أنقذته روحيا من الإحساس بالملل والسّكون والانقطاع عن العالم والشعور المُر بالعزلة. فالإنسان من غير ثقافة تُلازمه في حال الاعتدال وفي حال المرض؛ هو كتلة بيولوجية تسري فيها مطالب الغريزة المتكررة والثَّابتة، إن الثقافة إذن؛ هي روح الإنسان العارجة نحو المعنى والقيمة.


تعليقات

  1. Arnold Snyder's articles in Blackjack Forum journal brought shuffle tracking to common 온라인카지노 public|most of the people|most people}. His book, The Shuffle Tracker's Cookbook, mathematically analyzed the player edge out there from shuffle tracking primarily based on the precise size of the tracked slug. In face-down video games, if a player has more than one hand, they're allowed a glance at|to take a look at} all their palms earlier than deciding. This is the only condition the place a player can take a look at|have a glance at} a number of} palms.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحسين التَّقبيح وتقبيح الحسن : حول صناعة المحتويات السَّافلة

في سؤال التغيير عبد الرزاق بلعقروز

التَّجربة و الآفاق الإدراكية الواسعة ..... عبد الرزاق بلعقروز