باتت ظاهرة التَّأثير بواسطة وسائط الإعلام الجديدة تفعل فعلها، وتترك أثرها في الفضاء العام، ويجب بدءا، التّمييز بين التأثير المفيد والخيّر ، وبين التأثير غير المفيد والسّيء؛ فالأصل في هذه الوسائل أن تكون كلها خيرات نافعات وحسنات؛ أي مصالح؛ وأن لا تكون شرورا مضرّات وسيّئات، أي مفاسد. إلا أنّ واقع الحال، هو كثرة المواقع التي تكتسب أهميتها، ليس من القيمة الإيجابية لمضامينها، ولا من المصالح التي يحتاجها النَّاس، بل من سطحيتها وفراغها العلمي وفسادها الأخلاقي، إنَّها تتخفىَّ خلف جمالية الصُّور والتقنيات؛ كي تنشر المحتويات الهابطة، ولعل من مظاهر هذا الهبوط، هو أنها تفصل بين اللغة والقيمة، فالأصل في اللغة أنّها حاملة للمعاني الرَّفيعة، والعبارات الجزيلة، لكنها مع المحتويات التَّافهة و الهابطة، أصبحت مجرد كلام وثرثرة، كما أصبح الكلام في هذه المحتويات كلاما يخدش الحياء ويرفع من أهمية الكلمات المتفحشة والسُّباب والقذف؛ باتت هذه المحتويات في جزء منها حربا نفسية على اللغة الحاملة للقيمة و المعنى، ونشرُ للخصوصيات الذَّاتية والدفع بالمتتبعين إلى كسر الأوامر الأخلاقية مع الذَّات وفي الأ...
" من كان مرباه بالعسف والقهر ... سطا به القهر وضيَّق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، ...وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن" ابن خلدون نظرا للأزمات السياسية الكثيفة في سياقاتنا؛ فإنَّ التغيير أصبح لا يُفهم إلا بكونه تغييرا سياسيا، تترسَّم خطواته في تغيير نظام الحكم، بالطرق المشروعة، لأجل ميلاد نظام سياسي جديد، يكون أكثر رشادة وحَكَامَة، لكنَّ هذا الإقرار على شهرته، ينسى بأنَّ الفعل السياسي ما هو إلاَّ فرع للأخلاق، فالسؤال الذي طرحه أرسطو : كيف يجب أن أعيش أو السؤال الكانطي : ماذا يجب علي أن أعمل؟ يستغرق الفعل السياسي، الذي بات تسكنه مفارقة غريبة : كيف أنَّه فرع من فروع الأخلاق وفي الآن نفسه يجنح إلى الخروج عن أوامرها وتعاليمها؟ لذا، فإننا نقر مع حنا أرندت، بأنَّ الثورة ليست مجرد عملية تغيير، يتم بمقتضاها قلب نظام الحكم السياسي، الثورة التي تحدث ينبغي أن تثمر ميلاد قيم جديدة تصبح سلوكا مرئيا في الفضاء العام، مثل الثورة الأمريكية التي أتت معها بقيمة...
ت سود كلمة التَّجربة في مجال الأبحاث العملية والعلمية، وتعني الإجراء الذي بموجبه يكون التحقُّق من الفرضيات التي وضعها العقل من أجل تفسير الظَّاهرة موضوع البحث؛ إلا أنَّ سيادة هذا المعنى قد حجب معنى آخر للتَّجربة؛ يرتبط بالمجال السُّلوكي أو القَالبي؛ كتعبير عن تجلّ للبعد الذَّاتي أو القَلبي؛ ونحن في سياق حاجات الإنسان المعاصرة في سياق بحثه عن الإرواء الوجودي والسّكينة الرُّوحية؛ أكثر إفادة من المعنى السُّلوكي للتجربة أكثر من المعنى العلمي؛ فالتَّجربة السُّلوكية أو تطبيق الأخلاق فعليا؛ هي التي تفتح للعقل الآفاق الإدراكية الجديدةـ، وتُكْسِبُه اليقين والحسم في قضايا الخير والشر أو الصَّلاح والفساد. ويبدو أن طلوع العدمية؛ التي تعني فقدان القيم العليا قيمتها، تجد أحد أسبابها في هذا النِّسيان والانحجاب عن السُّلوك كأداة فاعلة لأجل تجديد الذّات واستقامة الوجود؛ والانسياق في المقابل خلف الانفعالات كما يقول رونيه ديكارت في كتابه "انفعلات النّفس".فالانفعالات لا تحسم في مسائل الخير والشر، بل هي فقزات لاواعية: من انفعال إلى انفعال، ويطرح ديكارت مفهوم : الأسلحة الخاصة بالإرادة كأداة لأج...
تعليقات
إرسال تعليق