تقرير عن ندوة فن العيش المشترك ......الأستاذ فرحات عماري .. طالب دكتوراه جامعة سطيف2

جانب من الحضور لندوة ثقافة العيش المشترك

المحاضران د بليليطة عبد الحكيم  وأ. فنقال نبيل 
نظّمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية فرع سطيف، بالتنسيق مع جمعية النبراس الثقافي، وتحت اشراف مديرية الثقافة لولاية سطيف ندوة علمية بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، من تنشيط كل من الأستاذين عبد الحكيم بليليطة بمحاضرة عنوانها " اكتساب اللغات كأداة وكأفق للعيش المشترك"، والأستاذ نبيل فنقال بمحاضرة بعنوان "أهمية المحبة، الثقة، الوفاء، في ترسيخ ثقافة العيش المشترك".
افتتح الأستاذ نبيل غندوسي رئيس جمعية النبراس الثقافي الندوة بكلمة شكر، وقال أنّ هذه الندوة تأتي احتفاءا باليوم العالمي للفلسفة الذي تحتفل به منظمة اليونيسكو كل عام، على أمل تحقيق غايات أجملها في:
ü    تجديد الالتزام الوطني والإقليمي والعالمي بدعم الفلسفة.
ü    تشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة من أجل الاستجابة للتحديات المطروحة على البشرية.
ü    التوعية بأهمية الفلسفة وأهمية استخدامها نظريا في معالجة الخيارات التي تطرحها العولمة في الراهن الحالي.
ü    الوقوف على حالة تعليم الفلسفة في العالم، والتأكيد على أهمية تعميم تعليم الفلسفة في صفوف الأجيال الصاعدة.
ويسعى اليونيسكو من خلال هذه الغايات إلى اعتبار أنّ الفلسفة هي مصدر توفير الأسس المفاهيمية للمبادئ والقيم التي يقوم عليها السلام العالمي: مثل مبدأ الديمقراطية، حقوق الأنسان، العدالة والمساواة، وتساعد الفلسفة على توطيد هذه المفاهيم من أجل التعايش السلمي.
وجاءت كلمة الأستاذ عبد الرزاق بلعقروزرئيس الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية مكتب سطيف تصب في مجرى كيفية إتقان فن العيش معًا بلغة إدغار موران، وكيف أصبحت ثقافة العيش المشترك قدرا وضرورة يستدعيها الراهن نظرا لتشرذم العلاقات الإنسانية، وبالتالي ستكون هذه الندوة بمثابة شق الطريق نحو العيش المشترك في موزاييك جمالي وأخلاقي يتقن بالدرجة الأولى ثقافة الواجب أكثر ممّا يطالب بالحق.
قدم بعد ذلك الأستاذ نبيل غندوسي الكلمة للدكتور عبد الحكيم بليليطة وهو أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، ليقدم محاضرته الموسومة "بإكتساب اللغات كأداة وكأفق للعيش المشترك"، ليبدأ الحديث على أهمية موضوع إكتساب اللغات الأجنبية، ودورها في تمكين الفرد والإنسان في العيش معًا، مشدّداً في ذلك على المدرسة التي نشهد موتها  واحتضارها، وتساءل مرارًا على هذه الأزمة التي تنخر المنظومة التربوية وأسبابها: هل مدرستنا قادرة على بناء الفرد والانسان والمواطن، ولديها المكنة لتصنع من ذلك البرعم إنسانا واعيا في مجتمعه وقادرا على تفعيل العيش المشترك؟، لعل ما يتبدى به الواقع التربوي كما صرّح الأستاذ يدل على وجود خلل وحالة غير طبيعية في المدرسة الجزائرية، ومَرَّدْ ذلك عملية تحويل اللغة في التدريس من ملكة سمعية إلى ملكة بصرية، وبذلك أخرجت لنا هذه المدرسة تلميذا غير قادر على كتابة فقرة باللغة الأجنبية، هذا ما يدل على أنّ هناك اخفاقًا ذريعا يستوجب إعادة النظر.
هذا الوضع السيزيفي كما جاء على لسان الأستاذ والذي تعيشه المدرسة اليوم هو نتاج المقاربة البصرية لتعليم اللغات، وهذه المقاربة لم تستطع أن تخلق تعايشا مع اللغات وعندما لا نتعايش مع هذه اللغات لا نستطيع أن نكون كائنات عالمية، وتطرق الأستاذ عبر نماذج خاصة طرق تمكين وتحصيل اللغات الأجنبية بأهمية الاستماع وفهم ما يستمع إليه، مستصحبا الحكمة البليغة من ذلك " استمع لكي تقرأ، واقرأ لكي تكتب ".
قلب الأستاذ مقولة " من تعلم لغة قوم أمن شرهم " رأسا على عقب وقالمن تعلم لغة قوم جلب خيرهملأنّ تعليم اللغات هي بمثابة خطوة لفهم الآخر والحوار معه والوقوف متعلما أمامه، ومسألة العيش المشترك تحتاج منّا تعلم ثقافة الآخر، واكتشاف تراثه المعنوي والمعرفي، وكلمّا ازددنا تعلما من الآخر فهمنا ذواتنا واكتشفنا كينونتنا، واللّغات الأجنبية رافد وأداة أساسية في معرفة ثقافة الآخر.
وكان حوصلة ما وصل إليه أنّ الأزمة التي تتربص بالمدرسة هي أزمة مركبة، يشترك فيها الثالوث المكوَّن لها "المتعلم، المعلم، والمنظومة"، والأفق المستقبلي لعطاء هذه المدرسة يتوقف على تمكين اللغات الأجنبية إلى جانب الرياضيات لبعث صحوة تدرجنا في التاريخ العالمي، وتفقهنا أبجديات العيش التشاركي.
ثم أحيلت الكلمة للأستاذ فنقال نبيل لتقديم محاضرة بعنوان " أهمية المحبة، الثقة، الوفاء في ترسيخ ثقافة العيش المشترك"، استهّل الأستاذ محاضرته بقيمة الوفاء كمسعى مشروط نقدمه لشهداء الثورة التحريرية بخاصة أننا في شهر نوفمبر، إلى جانب اعتبار هذه القيم قوام الحياة الإنسانية، فهي قيم للإنسان كله تنبني عليها الأسر والأمم، وغاص الأستاذ في المتن الكونفوشيوسي محاولا بيان عمق الحكمة الشرقية من هذه القيم في تدبير الحياة العملية للإنسان في علاقته بغيره.
ليعرج في ثنايا المحاضرة إلى نوعية هذه القيم في تفرعاتها العلائقية، باعتبارها قيم تبادلية تنبني عليها أواصر التوافق والاندماج والتمازج، لأنّ هذه القيم تجمع بعضها البعض وتتواشج فيما بينها مشكلة ترسانة روحية للمجتمعات وتساهم بقدر كبير في تقدمها وتطورها.
ولقد جمعت محاضرة الأستاذ بين مسعاها الشمولي في وقوفه حول التحقق الفعلي لهذه القيم في أرض الواقع، وبين الاستحضار النموذجي لأمثلة من التاريخ الإسلامي " الأمير عبد القادر، سليمان القانوني" باعتبارهما مثالين تحقق هذه القيم وسبيل لتجسيد العيش المشترك.
وكانت نهاية المحاضرة بمثابة تأكيد على التعايش وتوطيد هذه القيم بالالتفاف حول ما هو أرقى وبث روح الائتلاف، وبناء أسوار الوحدة والـتآزر، لضمان مجتمع صالح يستقي معين الهدي من النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد لقيت المحاضرتين استجابة كبيرة من طرف الحاضرين، بحيث تنوعت الأسئلة واختلفت، تصب روافدها في همّ ومنحى واحد هو كيفية تحقيق فن العيش المشترك، والتخلص من ثقافة الإقصاء، والنرجسيات القاتلة، وضرورة الانفتاح على كافة أقاليم الوعي الوجودي.
وفي الختام تم تكريم الأساتذة بمنحهم شهادات تكريمية عرفانا على ما جادوا به، مع توصيات بتجديد اللقاءات المعرفية والعلمية في المستقبل القريب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحسين التَّقبيح وتقبيح الحسن : حول صناعة المحتويات السَّافلة

في سؤال التغيير عبد الرزاق بلعقروز

التَّجربة و الآفاق الإدراكية الواسعة ..... عبد الرزاق بلعقروز