لماذا تغيب النصوص الفلسفية الجزائرية عن الكتب المدرسية؟ عبد الرزاق بلعقروز
الإجابة المعهودة عن هذا السؤال هي أنّ هناك من يتجاهل وجود نص فلسفي جزائري، وأنَّ لدينا فلاسفة يتم إقصاؤهم أو تهميش جهدهم الفكري، وبالتَّالي يُراد للفلسفة أن تسكن الحرف التاريخي، والحرف الفرنسي والحرف المشرقي، وهذه الإجابة وإن أبانت عن رومانسية في الالتفات إلى النّص الفلسفيّ الجزائري، إلاّ أنّها لم تغامر بالسؤال إلى حيثياته الفاعلة في تخصيص جزء من الفلسفة الجزائرية في الكِتاب المدرسي. وبالنسبة لي، فإنّ الإجابة يجب أن تكون مركبة وليست تبسيطية أو اختزالية، ذلك أنّ الإجابة المركبة تقول أنّ ثمّة عدة أسباب كامنة خلف هذا الغياب للفلسفة الجزائرية أو النص الجزائري بعامة من أقواها ظهورا، هو طبيعة التَّكوين المعرفي لمن تُوكل لهم وضع برامج الفلسفة، ذلك أنّ أغلبهم لم يتكونوا تكوينا فلسفيا خالصا، بقدر ما كان تكوينهم جامعا بين مباحث الفلسفة التقليدية في صورتها الفرنسية، وبين المباحث النفسية والاجتماعية، فضلا عن توقف البعض عن متابعة الراهن الفكري في الجزائر وفي العالم ككل. وهذا الشيء، انعكس على مضامين الكِتاب المدرسي بأن أضْحى أسير النُّصوص الفلسفية بخاصة ضمن حقبة القرن التاسع عشر، وهي فترة لم تشهد اهتماما بالفكر الفلسفي الجزائري، فهذا الارتماء في أفكار الفلسفة الفرنسية، حجب نصوصا فلسفية جزائرية ذات قيمة: مثل نصوص محند تازروت الّذي يعد أوَّل من نقل كِتاب أشبنجلر أفول الغرب من الألمانية إلى الفرنسية، أو نصوص الأمير عبد القادر في الأخلاقيات الصُّوفية، وغيرها.. وهذا فوّتَ كثيرا من القيمة لهذه النصوص الفلسفية.
إنّنا في الجزائر وكما قال الدكتور عبد الرحمن بوقاف في أحد نصوصه، تخلو من المشاريع الفكرية الفلسفية، التي تفرض نفسها بإبداعها ونصوصها، فغالب ما هو سائد المنحى الأكاديمي والمنحى الحر المُتمثل في الأقوال التحليلية لنصوص الفلاسفة، وليس مكابدة روحية إبداعية تُحرر الوعي من التبعية وتُسكنه في الإبداع والإنتاج. ففي المغرب مثلا أو في تونس نجد الكثير من المشاريع ذات شأن في الفضاء الفكري على الأقل العربي، بينما في الجزائر ثمّة نصوص تحليلية وليس نصوصا إبداعية، لكن هذا لا يعني إلغاء هذا الدّور للتحليل، وأنا أقصد أنّه لو كانت هناك مشاريع كبرى أو مفاهيم إبداعية، لكانت حالتنا الفكرية في قوة وإنجاز ولفرضت نفسها على الكِتاب المدرسي، الّذي أضحى يتغذى على نزوع فلسفاني ليس في مستوى الأسئلة التي يطرحها هذا الزمان.صراع التأويلات في النصوص التي يجري اختيارها ضمن الكِتاب المدرسي، فالتحيّز والذاتية قد أثرتا على تشكيل نصوص فلسفية قوية، فالجزائر في الفترة الاشتراكية طلعت فيها نجومية النُّصوص الرَّفيقة، وعليه، فقد يعتبر البعض خلو الكِتاب المدرسي من الفلسفة الجزائرية، يعني خلوه من نصوص ذات اتجاه خاص، ومنظور خاص أيضا. فقد تجد نصوصا لمالك بن نبي حول الأفكار أو الإنسان أو نصوصا تراثية للأمير عبد القادر في عمق التصوّف الأخلاقي، لكنّها ليست ذات اعتبار من تيار آخر يرى فيها نصوصا لاعقلانية.
وهكذا، ألفينا أنفسنا بين تفسير مُركب لهذا الغياب لنصوص الفلسفة الجزائرية، ومتى أردنا أن نتجاوز هذا السؤال، فإنّنا نلتمس في أنفسنا أهمية المتابعة المعرفية لما يُكتب راهنًا في الخطابات الفكرية الجزائرية، ونلمح جوانب الإبداع فيها، كي تُوضع وتكون معبرة فعلا عن روح جزائرية أصيلة. وأن نستعيد الدور الحقيقي للفلسفة بما هي حب للحكمة، واعتبار الاتجاهات السائدة أدوات تتواصل فيما بينها لأجل بلوغ الحقيقة التي لا توجد ضمن هذا العالم كما قال بول ريكور.إنّ هدف النصوص الفلسفية هو إيقاظ غريزة التفلسف الكامنة في الإنسان، وحصول هذا موقوف على روح الثقافة المُشتركة، فالنّص الفلسفي إذا كان يحمل في حروفه صدى الثقافة التي دفعت به إلى التداول، فإنّه يكون حاضرا ومتشرّبا، أمّا إذا كان نصا منقطعا عن منابت الثقافة فإنّ مآله العطالة والبقاء الساكن دون حركة ودون انطلاق.
اراء.سديده.وفقكم.الله.وسدد.خطاكم
ردحذف