محمد أركون : المولد بعد الوفاة و قلق المشروع


قد يكون المفكر الجزائري محمد أركون من المفكرين القلائل الذين حظوا بالتقدير والتكريم في حياتهم الجسدية، فقد حصل على جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2003 وأنجزت حول فكره أطاريح متنوعة بين الماجستير والدكتوراه في الجزائر وفي العالم العربي والإسلامي، وكتبت حول أفكاره مؤلفات بلغات متعددة، وتبنت مؤسسات تعليمية حرة وخاصة تحليلاته ومفاهيمه، لأن المعهود في تاريخ إنتاج الفكر والمعنى أن الذين قضى قدرهم أن يفكروا ويسائلوا ويخمنوا القضايا الكبرى، بخاصة قضايا المعنى ورموز التأويل، أن لا يعرفوا من دوائرهم الاجتماعية وأنظمة الفكر سوى الاحتقار والتنكر والازدراء. قد عاش محمد أركون في حياته الجسدية مثل هذه المواقف وتعرض للنقد والرفض وغيرها، وهذه خصيصة راتبة في تاريخ الممارسة الفكرية وملمح صحة بخاصة إذا كانت تتقن مواصفات المساءلات بمقتضياتها العلمية، لكن ما أريد التنبيه إليه أن وفاة محمد أركون ستكون منعرجاً لأفكاره ومفاهيمه التي طورها، لأن القدر قد قضى بأن هناك أصنافاً من البشر يولدون بعد وفاتهم ويحيون بعد موتهم، وهذا ما سيكون مع أفكار محمد أركون التي كانت أفكاراً مجسدة في شخصه الواقعي وشخصه المفهومي، لكنها ستستحيل فكرة مجردة قيمتها في ذاتها وتتمثلها عقول أخرى تثير فيها قلق التساؤل وتدفع بها إلى متاهة الاشتغال المعرفي، ونحن بدورنا من الأجدى والأولى لنا أن لا نتعامل معها (أي أفكار محمد أركون) تعاملاً ترحييباً وإنشادياً نفقد مع مسالكها قلق السؤال وتميت فينا طاقة النقد والفحص والتأويل، وفي المقابل أن نخرج من ذهنية اللغة الإقصائية وتوزيع الشكوك ونثر الاتهامات حول مفاهيمه ومقاصد مشروعه المعرفي، وإنما مهمة المفكر اليوم في تعاطيه مع نصوص أركون أن يبصر في هذه النصوص مصفوفة من المفاهيم وحشداً من المنهجيات المستحدثة توقظ فينا عاطفة القلق الفلسفي وتدفع بنا إلى الخروج من امتدادات الفكر التراثي البشري النسبي في لا وعينا المعرفي والثقافي، والاعتماد على الذات في فعل القراءة والإبداع وإنتاج المعنى، فضلاً عن أن يكون المفكر ابناً لعصره يستوعب مستحدثات المعرفة العلمية ويتجاوزها ببصمة الفرادة والمخصوصية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحسين التَّقبيح وتقبيح الحسن : حول صناعة المحتويات السَّافلة

في سؤال التغيير عبد الرزاق بلعقروز

التَّجربة و الآفاق الإدراكية الواسعة ..... عبد الرزاق بلعقروز