سؤال الحقيقة و الفعل في فلسفة القيم إشكالات وإيضاحات...د عبد الرزاق بلعقروز
الإشكال الأول : من الحقيقة/ القداسة إلى
الحقيقة/ الدّليل
أولا . مفتتح
يشير فيلسوف القيم الألماني هينريش ركرت rickert إلى
التّمييز بين “مملكة القيم وبين عالم الواقع، وبين مملكة المعنى، وهذه الأخيرة
تشمل الذّات وتمكّن من إقامة ارتباط بين المملكتين الأخريين ويصنّف ركرت القيم
بحسب الميادين التالية ”
المنطق، علم الجمال، التصوف و الأخلاق شؤون الجنس، وفلسفة الدّين، ويناظرها
القيم التالية على التّوالي : الحقيقة، الجمال، القداسة غير الشّخصية، السعادة،
القداسة الشخصية”[2]، وجلي إذن أن الحقيقة هي موضوع أو ميدان من ميادين فلسفة القيم، وقد اعتبر هيجل في
موسوعة العلوم الفلسفية، ” أن ّ أوّل سؤال يصادفنا هو : ما هو موضوع المنطق؟ وأبسط
وأوضح إجابة هي: موضوع المنطق هو الحق
Truth أو الحقيقة…… غير أنّنا قد نلتقي في الحال، بالاعتراض الآتي: أنحن قادرون على
معرفة الحقيقة؟ إذ يبدو أنّ هناك ضربا من التنافر وعدم التّجانس بيننا بوصفنا
موجودات متناهية وبين الحقيقة التي هي مطلقة، وتبدأ الشكوك تظهر حول ما إذا كان
يمكن أن يكون هناك جسر بين المتناهي و اللاّمتناهي. الله هو الحق أو الحقيقية فكيف
يتسنّى لنا أن نعرفه ؟ إنّ هذه المحاولة تتعارض فيما يبدو مع فضائل التّواضع
البشري وشعور الإنسان بضآلته”[3].
ثانيا .في مفهوم الحقيقة وتعدّد
معانيها
قبل مباشرة أيّة مساءلة تحليلية أو تفكيكية لمقولة الحقيقة والمفاهيم
المتشعّبة عنها:كالمعرفة وأدوات الإدراك الإنساني وتحوّلات مفهومها وقيمة
شعاراتها، فإن المقتضى المنهجي والسيّاقي يستوجب التعرّض لمفهومها بالتّوصيف والمقارنة
فضلا عن تحديد عناصر التَّمفصل والاختلاف بين منظورات متعددة في قراءتها
وتأويلها،كاستشكال علاماتها ومعاييرها وماهيتها ومستوياتها ودرجاتها أو المؤسسات
المنتجة لها، بخاصة وأن الفكر الغربي منذ الفلسفة الإغريقية جعل من الحقيقة القطب
الرئيسي لنشاطاته.
وقبل البدء باقتباس بعض التعريفات للحقيقة، هناك تلميح منهجي مؤدّاه أن
الحقيقة من جهة الدّلالة ليست واحدة إلا على صعيد الاسم، وداخل هذا الاسم منظورات
تعكس في تنوّعها النسق الفلسفي الذي يؤطّر مفهومها ويُشغّل وسائلها في فعل البحث
عن المعرفة .
إن الحقيقة Veritas, Vérité تعرّف»بأنها مطابقة الفكر للأشياء، وبلغة الأسكلائيين:”الحقيقة هي تطابق الشيء والعقل est adequation Rei et intellectus Varitas فالحقيقة إذن تتضمن مقاربة بين حدين: الفكر
من ناحية، والشيء أو الأشياء من ناحية أخرى؛ وهنا تنقسم الحقيقة إلى نوعين، بحسب
وجهة نظرنا إلى الفكر، أو إلى الشيء:
·
الحقيقة المنطقية-
وتُعرّف بأنها تطابق الفكر مع الشيء Adaeqution Intellecus Cum Rei، فإذا تطابقت رواية حادث مع الواقع كانت الرّواية
حقيقية.
·
الحقيقة الوجودية –
وتعرّف بأنها تطابق الشيء مع الفكر المعياري الذي يحكم عليها: أي تطابق الشيء مع
العقل rei cum
intellectu Adaptation وأعني مع معايير العقل. وإذا قلت هذا رجل
كريم :فمعنى هذا أن خُلقه يتطابق مع قيمة الكرم كما قدرها العقل”([4]).
ولا يختلف هذا التحديد للحقيقة عن المعنى المنطقي الذي نجده مبثوثا في شعب
المنطق الصوري وفي المنطق المادي، فالأول يشتقّ حقيقته من التّطابق بين الفكر
ومبادئه الكلية النّاظمة للمعرفة، والثاني يشتقّها من الواقع باعتبار أن الحقيقة
هي تطابق الفكر مع الواقع أو كما كان يقول مناطقة العرب: مطابقة ما في الأذهان مع
ما في الأعيان.
وقد جاء في أحد المعاجم الفلسفية تعريف يتضمّن المعنى الذي جرى توصيفه
سابقا، وهو أن“الحقيقية Vérité هي التوافق بين ما نقوله وبين ما هو موجود، فالحقيقة إذن صفة في معارفنا واسم لكل شيء موصوف
بالوجود الواقعي، وتُعرّف في أنماط الفكر الكلاسيكي، بواسطة الرّبط بين
تفكيرنا(إدراك، حكم) وبين الواقع المدرك”([5])
وإذا ما عرّجنا على «أندريه لالاند»
A.Laland في معجمه التّقني والنّقدي للفلسفة، فسنجد استجماعا لمفاهيم ورصدا لتمظهرات
مختلفة المرجعية ومتباينة المقاصد، فعبارة حقيقة «تعني صفة كل ما هو حقيقي،
فالأحلام التي نتخيّلها ونحن نائمون لا يحق أبدا أن تجعلنا نتشكّك في أفكارنا ونحن
مستيقظون.[كما تتفرّع تعريفات أخرى يحصيها لالاند فيما يتوالى]:
-العبارة الصّحيحة “فعندما تكون هناك حقيقة ضرورية فإنّنا نجد معقوليتها
متوسلين بالتحليل، فنحلّلها إلى أفكار وحقائق أبسط، إلى أن نصل إلى الحقائق
الأولية (لايبنتز المونادولوجيا، 33.)
– ما جرى التحقق منه عمليا، أو ملاحظته من قبل شاهد يرويه”شهادة متطابقة مع
الحقيقة”.
أمام هذا التّجميع لمفهوم الحقيقة تستوقفنا مفردات الضّرورة والتّطابق والقيمة
العملية؛ وهذا لا يجعنا نغادر أرض المعنى التوافقي بين المعرفة والواقع، ودلالة
هذا أن وراء هذا التنوّع نموذج معرفي كامن يحدد مفاهيم الحقيقة ويفصلها عن غيرها
أو ما يتعارض معها كالوهم والخطأ والزّيف.
غير أن مساءلة دلالة الحقيقة في حقول المعرفة التراثية العربية الإسلامية
تجعلنا نلمس ملامح المخصوصية والاختلاف، بخاصة في مستوى أسبقية الدلالة اللّغوية
واندراجها في النّظام البياني للدّلالة، وأيضا ازدواج معانيها بمفردات أخرى
تساوقها في التركيب اللفظي فضلا عن اشتراكها معها في المضمر الدّلالي منها:
الحق، الحقيقي، حقيقة الحقائق:
“فالحقيقة هي اسم لما أريد به وضع له فعيلة من حق الشيء إذا ثبت بمعنى فاعلة لي
بمعنى حقيق، والتاء فيه للنقل لا للتأنيث وفي الاصطلاح هي الكلمة المستعملة فيما
وضعت له في اصطلاح يراد به التخاطب… وبمعنى آخر هي كل لفظ يبقى على موضوعه
وقيل ما اصطلح الناس على التخاطب به…أما حقيقة الشيء فهي ما به الشيء هو هو
كالحيوان النّاطق للإنسان بخلاف مثل الضّاحك والكاتب مما يمكن تصور الإنسان بدونه
وقد يقال ما به الشيء هو هو باعتبار تحققه حقيقة وباعتبار تشخصه هوية ومع قطع
النظر عن ذلك ماهية”([7]). أي أن دلالة الحقيقة هنا لا تتحدد مبتدءا في صورتها المعرفية وفي علاقتها بدَرْك حقائق الأشياء، إنّما تتموضع في
الدّائرة الشّرعية وفي الدَّائرة اللُّغوية ابتداء. وما يتشعّب عنهما
من بعد ذلك من استعمالات، أما مفردة الحقيقي كوصف في الأشياء فيُطلق بالاشتراك على
معانٍ متعددة “منها الصّفة الثّابتة للشيء مع قطع النّظر عن غيره موجودة كانت أو معدومة،
ويقابله الإضافي بمعنى الأمر النسبي للشيء بالقياس إلى غيره. ومنها الصّفة
الموجودة ويقابله الاعتباري الذي لا تحقق له، سواء كان معقولا بالقياس إلى غيره أو
مع قطع النظر عن الأغيار”([8]). وهذه المعاني التي يتبدّى لنا فيها المعنى المنطقي للحقيقة، أي
صحّة التصور المُعبّر عنه بالحكم، يمكن تسميتها بالحقيقة العقلية المنطقية التي تتمثّل في أنظمتها
مقوّمات التفكير السليم المبثوثة في شعب التفكير المنطقي: كالأحكام والتّماسك
والتّطابق واليقين، فضلا عن وصل العلاقة التطابقية من أجل الحقيقة بين ما في
الأذهان وما هو موجود في الأعيان.
ثالثا .سؤال الحقيقية : من
الحقيقية/القداسة/ إلى الحقيقة / الدّليل
سندخل إلى سؤال الحقيقية هنا من زاوية الفكر الفلسفي اليوناني، للضرورة
التعليمية و ليس للقيمة الفلسفية، فكيف فكر الإغريق سؤال الحقيقية، هل هي ذات
مفهوم ثبوتي سكوني من حيث المعايير أم أنّها تمرحلت أي مرّت بمراحل، وشهدت تحولات
في أسسها ومعاييرها و علاماتها، وإن كان الأمر هكذا، فما سرُّ هذا التحوّل و
التمرحل والإرتهان إلى التغيُّر؟
1.
القداسة موطن الحقيقة
والفلسفة استشراف للمقدّس
إن مفهوم الحقيقة كما تشكّل في المحاضن اليونانية اللّغوية والتداولية الأولى
كان حاملا لمدلولات ذات مضامين دينية ميتافيزيقية ثم استحالت بعد هذا استحال همّا
عقلانيا بمحددات وضعية؛ هذا ما تستجلبه لنا المساءلة الايتيمولوجيةE’tymologie
لمصطلح الحقيقية، “فإذا عدنا إلى الأصل اللغوي ل(Alétheia) وجدنا أن الكلمة مُكوّنة من الجذر (Léthé ) أي النسيان، ومن حرف
النفيA)) وتصبح الحقيقة في مفهوم (Alétheia ) هي استرجاع الذاكرة والخروج من النسيان ثم التذكر، وفي هذا المعنى، يقول Détienne إن الحقيقة (Alétheia ) لا يقابلها الكذب ولا الخطأ ولكن يقابلها
النسيان عند اليونانيين القدامى، فمفهوم (Alétheia ) في اليونان القديمة مرتبط بالذهنية الأسطورية ونجده مجسما في خطاب الكاهن
والشاعر وملك العدل
(Roi de Justice)”[9].
من هنا، فالحقيقة تتأتّى قوّتها لا من سعي الإنسان أيّا كان لامتلاكها، إنما
قيمتها تتأتّى من مصدرها، فخطاب الشاعر والكاهن المؤسس على الذاكرة المقدسة بما هي
مخصوصة بمن تحابيهم الآلهة في شكل ذاكرة وإلهام مقدسين، هي الحقائق الأصيلة
والفاعلة والناجحة، وفي الوقت نفسه يُقام في الواقع توسُّلا بهذا المعنى نظام من
القداسة والعدالة والقانون المطلق، هنا يمكن أن نستحضر الشَّواهد من التَّاريخ
الفلسفي، فأن يتم الربط بين الحقيقة و القداسة والذاكرة، فمعناه الدّلالة
الأفلاطونية و الدّلالة الدّينية، وبيان ذلك أن أفلاطون هو من ربط بين الحقيقية
وبين التذكّر، فالمعرفة أو معارفنا بما هي الأدوات التي يمتلكها الإنسان في يديه
هي الطّريق الوحيد نحو الحقيقية، فالمعرفة تذكر ليس إلا، و الحائل الذي يقف أمام
الجهد المعرفي النقي هو الأهواء والرغبات الجسمية، التي يماثل أفلاطون بينها
وبين اللاّعقل و الشر، أي أن ثمة التحرر من الشهوات ويماثلها الطريق الآمن نحو
الحقيقية، وثمّة إتباع الشهوات ويماثلها فقدان الطّريق و الخطأ و الظّن أو الرأي ” ويصف أفلاطون هذه
البنية للمعرفة من خلال بعض الأساطير التي تحكي مغامرات الحياة السابقة للنّفوس
وهبوطها إلى هذا العالم topos
عالم الأشياء المحسوسة و الأجسام التي ليست إلا نسخا للصور في ذاتها وضورة
تحولها ورجوعها إلى مكانها أو مسكنها المعقول بواسطة الفلسفة… فبناء الحق وصياغته
إنّما هو إعادة التّركيب واكتشاف المعنى الذي كان موجودا من قبل، جاريا به العمل
في تنظيم شروط إمكانات الفكر، والتعلّم، على خلاف أن يكون طريقا متقدّما ومغامرا،
إنّما هو صعود إلى مشارب ومصادر الثقافة التي قد تحتجب في أوقات محدّدة، يتناساها
الفرد الذي يضيع في عدم نضجه النّفسي والجسمي في طفولته الحقيقية و المجازية معا”[10].
وتشير الدّراسات إلى أثر الحكمة الدّينية الهندية على الفكر الأفلاطوني في
قضايا المنهج و تعالي الحقيقية، وعلاقة الروح بالمطلق، وموضوع و هدف المعرفة، و
الحقيقية العليا المقدّسة بما هي المبدأ الأول، ومبدأ الثنائية أو الأحادية
الفلسفية وغيرها…. ومنها الكتاب الهندي الأوبانيشاد الذي يحوي حِكم الثقافة
الهندية ما قبل الميلادية وخلاصتها، ونذكر هنا أمثلة عن هذه المشابهة بين الحقيقة
الأفلاطونية المقدّسة وبين الحكمة الهندية ” يرفض كل من أفلاطون ومدرسة
الأوبانيشاد الإدراك الحسي كمعلومات يقينية وتؤكّد كلا المدرستين على أهمية العقل
عند أفلاطون والحاجة للتأمّل و التّفكير عند الأوبانيشاد، وحسبما يذكر افلاطون فأن
طريق الحواس يقود المرء إلى عالم الظواهر المتغيّرة ” ظلال الكهف”، أي انعكاس الصور،
الإنسان يعيش عالم الظّواهر لا الحقيقية الجمهورية وذلك يزود الإنسان بوجهة
نظر doxa، بينما طريق العقل و التفكير يقود إلى المعرفة
الحقيقية… ووجهة مشابهة توجد في الأوبانيشاد التي تشير إلى استحالة معرفة الحقيقية
عن طريق الحواس و المعرفة التّجريبية، لأن براهما و الماهية الإلهية لا يمكن
معرفتهما عن طريق الحواس ”
إن ّ العين لا ترى … و لا الكلام يعبّر… وعدم قدرة العقل على الإدراك … حقيقية
لا يمكن معرفة المطلق بالكلام … أو العقل… او بالعين… “كاثا أوبانيشاد “[11] .
وفضلا عن هذا التداخل ما بين الحقيقة باعتبارها مقدّسا و الإعتقادات الدّينية
لدى أفلاطون، فإنّ ثمة ما يسعفنا في تأسيس الحقيقية على المقدّس لدى سقراط نفسه،
وفي المعجم الدّلالي لمفهوم الفلسفة التي تحدّدت بوصفها بحثا عن الحقيقية، فكيف
الأمر مع سقراط أولا ؟
إن ّ سقراط لم يكن فيلسوفا نظريا، وإنّما كان صاحب رسالة تشبه رسالات الأنبياء
في مسعاهم نحو تحرير الإنسان من الاعتقادات الخاطئة والسلوكيات المنحرفة عن
استقامة الفضيلة ” ذلك أن سقراط كان يشير إلى اللاّمنظور الذي كان يعاوده ويأنس إليه، فهو يشرّع
لممارسته الفلسفية باعتبارها إلهية لأنه دخل يوما معبد دلفي فسمع هاتفا يخبره
بأنّه أكثر الأثينيين حكمة. إن رسالة سقراط ذات أساس إلهي، لذلك فهو لا يقبل
التخلّي عنها، مثلما يتجلّى ذلك في مؤلف أفلاطون بعنوان “تمجيد سقراط”، نكتفي هنا
بالإشارة في هذا الموضوع إلى أن سقراط يخاطب القضاة بقوله : ” لو انّكم طلبتم مني أن
أتخلّى عن التّفلسف مقابل تبرئة ساحتي وإطلاق سراحي فإني لن اقبل ذلك البتّة،
لأنّه ليس أعسر عليّ من عدم طاعة الله الذي حمّلني رسالة هدايتكم وإرشادكم إلى ما
به تكون النّفس فاضلة”[12]. وهنا نلاحظ طبيعة المضمون الذي يريد سقراط أن يهدي به المجتمع الأثيني، فهو مضمون ديني حقيقي في شكل فلسفي، مضمون
مقدّس في شكل جديد هو الشكل الفلسفي البرهاني، أي أن القيم الدّينية التي كانت لدى
هوزيود في شكل أساطير وأشعار مقدسة، قد أحالها سقراط في تعاليمه من هذا الشكل إلى
شكل جديد قوامه العقلانية المجرّدة وتأسيس اليقين على أسس برهانية و ليست أسسا
أسطورية خرافية، و بالتالي فنحن ”
أمام لحظة استجلاب للمقدّس في فضاء جديد هو فضاء القول الفلسفي من حيث هو رغبة
جامعة في الحكمة و بحث عن الحقيقية في صورة جديدة… إن الميتافيزيقا التي افتتحها
سقراط وواصلها فلاسفة آخرون ستكون أساس خطاب فلسفي أقرّ بإطلاقية الحقيقة إلى حدّ
التّقديس”[13].
هذا، ويُعزُّز هذه المؤاخاة بين الحقيقة باعتبارها ذات جذر قدسي وبين الفلسفة
باعتبارها بحثا عن هذه الحقيقة، الاشتقاقات اللّغوية و الدّلالية لمدلول الفلسفة
نفسه، فلماذا اصطنع بيتاغور تسمية فيلوصوفيا ؟ ” هل لمجرّد إبراز الفاصلة
الدّلالية بين الصوفوس الذي هو الله والفيلوصوفوس أي الإنسان؟…. إن إطلاق لفظ
فيلسوف على من يمارس الفلسفة اي الفيلوصوفوس ليس تحجيما لقدرات الإنسان أو ضربا من
التّواضع مثلما يقدّم ذلك عادة، بل هو تصميم على استشراف عالم المقدّس….. وليس
مجرّد إقامة حدود بين المطلق و النّسبي… وكأن هذا الحنين إلى التّقديس قد تجلّى في
هفوة لغوية ذات دلالة عندما أطلق اسم الحكماء السبع على مجموعة من الفلاسفة
المشرّعين اليونانيين، الذين كادوا يضاهون الآلهة في سموهم الأخلاقي. ليست الحكمة
إذن حكرا على الآلهة و لا الفلسفة في بداياتها اليونانية مجرّد قطع مع الأسطورة و
المقدّس. وحتى الحقيقة الفلسفية هي، حسب ما يفيده الاشتقاق اللّفظي، لا تحجب،
انفتاح به ينكشف الوجود بصورة تجعل الفيلسوف ما قبل سقراطي أميل إلى الاسترسال
الشعري منه إلى مجرّد المحاكمة العقلية البرهانية العقلية”[14]. والمتفحّص لجملة هذه الشواهد المتوالية، حول الحقيقية كمضمون مقدّس و الفلسفة
كأفق لاستشراف هذا المقدّس يدرك أن التحول من الأسطوري إلى الدّيني كان تحولا في
شكل التعبير عن الحقيقية المقدّسة و ليس انتقالا نحو سوفسطائية إلحادية فجّة.
2.
من الحقيقة/ القداسة
إلى الحقيقة الدّليل
لكن السؤال المركزي الذي يثار في هذا المقام: كيف تطوّرت الحقيقة الذاكرة (Alétheia) من دائرة القداسة الدينية إلى دائرة
الاعتبارات الوضعية واللائكية
(Laïcisation)؟
“يذكر لنا Détienne الظروف التي تحوّلت فيها الحقيقة المقدسة من الفاعلية الدينية والسحرية إلى
الشرعية العقلانية والصبغة الوضعية.
– ومن بين هذه الظروف؛ نجد طرح المسائل الحربية والسياسية والقانونية في مجالس
شعبية ديمقراطية أو في مجالس التقنيين. أي المختصين في الموضوع المطروح وذلك بين
القرن السابع والسادس قبل الميلاد.
– فالجدل والحوار والمناقشات وتبادل الآراء عوضت الخطاب المقدس النابع من ذاكرة
الشاعر وإلهام الكاهن.
– وفي هذا الطور الانتقالي تتوسط حركتان فكريتان:- حركة الفلسفات الدينية
الصوفية كالفيثاغورية وحركة السفسطة والبلاغة والشعر اللائكي، والشخصية التي تمثل
المنعرج في تحول مفهوم
(Alétheia) سيمونيدس 557 ق م simonide de
Céos) ) الذي كان أول من جعل من الشعر مهنة وحرفة ([15]).
وبإدخال عنصر القداسة الذي يختص به الشاعر إلى حقل المقابل المالي والقيمة
الاستعمالية النّافعة، احتجبت الحقيقة بالمعنى القداسي وعوضتها مفهوم الدوكسا (Doxa) والخدمة، وتنقلب وظيفة الذاكرة إلى مجرد
تقنية من تقنيات التَّدوين، بالتواشج مع أفول الذاكرة المقدسة وإحلال خطاب الخدعة
والاستخدام الذرائعي للمعرفة مع مجيء السّفسطائيين.
وبالفعل، فهذا التّفسير يقدم جزءا من الحقيقية ويحجب عنا الجزء الآخر منها،
فإذا ما رجعنا وراجعنا التحوّلات الكبرى في تاريخ الفلسفة بخاصة لدى
اليونان، فإن الفلسفة التي جعلت من قطب اهتماماتها “الحقيقة» لم تتمكّن لنفسها
إلاّ في لحظة منعطف جوهري هو لحظة التحوّل من الفكر الأسطوري إلى الإدراك المنظّم
للعالم، وبهذا الاعتبار فإن هذا التّصور التقليدي للحقيقة بلغة الانثروبولوجيا
الدينية يماثل الحقيقة في شكلها الأسطوري لدى الثّقافات البدائية، أي قداسة الأصل
والوظائف الأنطولوجية والاجتماعية والأخلاقية والنّفسية، وتبعا لهذا “يظهر إذن، أن
ميلاد الفلسفة قد واكب تحوّلين ذهنيين عظيمين، ظهور فكر وضعي يتنافر وكل شكل من
أشكال الخوارق ويرفض التّشبيه الضّمني الذي تقيمه الأسطورة بين الظّواهر الطبيعية
والعوامل الخارقة للطبيعة؛ ثم ظهور فكر مجرد يخلّص الواقع من قوّة التّغيير التي
كانت الأسطورة تفرضها فيه، كما يقضي على الصورة العتيقة لوحدة الأضداد ليقول بمبدء
الهوية“[16] .
أما المبرر الأكثر غورا من هذه المبررات التي تقدّم دوما ذاتها بصورة مستقلّة
عن أي تأثير خارجي، وإنّما بدأت بالمعجزة وفي الآن نفسه لا تؤمن بدور
المعجزة، فقد قلنا أن الحقيقة كانت تستمد قيمتها من مصدرها المقدّس، من لدن الملوك
أو الكهنة، نظرا لموقعهم الخاص أو ماهيتهم و طبيعتهم السامية، فإن دخول عنصر
آخر من مصدر شرقي قد غيّر بصورة تدرّجية نظام المعيارية و الحقيقية ضمن هذه
الحقبة، إنه خطاب ” الرياضيات و الهندسة التي نشأت في مصر واكتسبت نظام تنقلها
مع فلاسفة مثل طاليس، وتقدّم الرياضيات النموذج غير المعهود للبناء الاستدلالي: هو
ضرب من الخطاب المنطقي : اللّوغوس logos المستقل تمام الاستقلال
عن الشخصية التي تنجزه، وهو قابل للتّكرار بإرادة أي
فرد، ومتهيئ لأن ينتج حقائق استدلالية بذاتها بدون الرجوع إلى أيّة ضمانة من أي
سلطة خارجية عن قواعد التكوين وآداء الخطاب ذاته، و لم تغب القوة التّدميرية
للرياضيات عن المعاصرين الذين ما لبثوا أن أدركوا علاقتها مع الأشكال الجديدة
للتّنظيم السياسي و القانوني مما جرّبته المدينة الإغريقية في العصر نفسه. وهنا
أيضا، عن طريق التّساوي بفضل الاحتجاج و البحث عن الدّليل بدون الخضوع إلى
أيّة سلطة، كانت الشؤون العامة يقرر فيها في المجالس السياسية كما في المحاكم”[17]. ويبدو أنّه عنصر تبريري يمتلك وجاهته، لأن النّسق العلمي الرياضي القائم على
البرهنة و الاستدلالات قد جرى تطعيمه بعالم المعيش التّفاعلي، أي العالم الذي يعيش
فيه الناس وفيه يحيون، فأضحت الفاصلة النهائية تجد قوتها في هذه القوى الاستدلالية
أكثر من ايّة تفسيرات طبيعية أخرى، بخاصة و أنّنا أشرنا في العنصر السابق إلى أن
التحول لم يمكن قطائعيا كليا، وإنّما هو تحول في شكل التعبير عن الحقيقة الدّينية
من الصورة الأسطورية إلى الصورة البرهانية، و هكذا لم يضع المبدأ الدّيني في
النموذج الفلسفي الجديد، وإنّما جرى الاحتفاظ به وإسكانه مجددا في فضاء آخر يجابه
التحدّيات الضاّغطة بمنهجية مناسبة ضمن سياقها أي السياق السوفسطائي.
رابعا . خلاصات ونتائج
وإذا ما سايرنا تحليلات”جون بيار فرنان J.P Vernant «في اشتغاله بأصول الفكر
اليوناني، وتحوّلات هذا الفكر من دوائر الفكر الأسطوري إلى دوائر الانتظام
الفلسفي؛ فإننا نستخرج عناصر نظرية وتاريخية هي تواليا:
– أن التفكّر العقلي لم يتكوّن لدى اليونان، ولا يتبدّى بصورة واضحة؛ إلا على
المستوى السياسي أوّلا، لأن السياسية وهي على التّحقيق بنت المدينة كانت الأداة
المركزية فيها هي تفوّق الكلمة على جميع الأدوات الأخرى للسلطة، إنها الأداة
السياسية ومعراج الوصول إلى الدولة بامتياز . من هنا «لم تعد الكلمة هي
الكلمة الطقوسية والصيغة الحقة وإنما المداولة المتناقضة والنقاش والتعليل. إنها
تفترض جمهورا تتوجه إليه وكأنه قاض يصدر الحكم الأخير برفع الأيدي، بين الفريقين
الماثلين أمامه، إن هذا الخيار الإنساني المحض هو الذي يقيس قوة الإقناع لخطابين،
مؤمّنا فوز أحد الخطباء على خصمه”([18]). وبهذا التقرير فإن أفول
التأويلات الأسطورية لم يصبح ممكنا إلا في اليوم الذي أدار الفكر وجهته نحو النظام
الإنساني وسعى إلى استشكاله وتعريفه بذاته.
– إن وصل الصّلة بين مولد الفلسفة ومولد التفكّر حول اعتبارات سياسية في النظام
الإنساني؛ مؤداه أن جذور التفكّر الفلسفي موصولة بالفكر السياسي الذي عبّرت عن
اهتماماته، واستعارت مفرداته في التّبليغ والتّدبير، وبهذا «فالعقل اليوناني لم
يُصنع في العلاقة البشرية مع الأشياء بمقدار ما صنعته علاقات النّاس فيما
بينهم. وقد تطوّر من خلال التقنيات التي تعمل على العالم أقل من تلك التي تسيطر
على الآخر والتي كانت اللّغة أداتها المشتركة: فن السياسة والخطابة والتعليم.
فالعقل اليوناني هو ذلك الذي سمح بطريقة وضعية وواعية ومنهجية بالتأثير على الناس
وليس بتحويل الطبيعة. إن هذا العقل هو ابن المدينة، سواء في حدوده أو في تجديداته”([19]).
والمعنى الذي نستجليه في مقاربة “فرنان»للحظة التّمفصل بين التأويل الأسطوري
والتماهي بينه وبين الحقيقة بما هي مصدر ثم أفول هذا التحديد بنشأة التفكّر حول
الإنسان/ المدينة، ما نستجليه هو فقدان مملكة الحقيقة قيمتها، بإحلال لغة العقل
والمنظور والنّقاش والاختلاف محل التكهّن والحكاية والرواية؛ لأن دائرة الفكر
الاجتماعي السياسي هي من كبرى المحاضن التي تَتفتّقُ فيها المُمكنات
العقلية، وتتداخل فيها السّلطة بالمعرفة والفلسفة بالمنفعة، بما يجعلها في صلة
تقابلية ضدية مع مفهوم الحقيقة بخاصة لدى فلاسفة الثبات أي: تلك التي تتأسس على
الانفصال عن أية دلالة خيالية، ونشدان الموضوعية في التفكير، واستخلاص القانون
الكلي.
هذا بحسب مقارنة جون بيار فيرنان، الذي أغفل الدّور العلمي الرياضي الهندسي
للتراث الشرقي الذي استجلبه طاليس منه، إذ أن فرنان لا يحدثنا عن هذا الانتقال من
التفكّر حول اعتبارات أسطوية إلى نشوء الفلسفة على أرض الخطاب السياسي، فكيف لهذا
العقل أن ينتقل بصورة مباشرة دون توسّطات معرفية تكون جسرا منهجيا ورؤية منهجية
تدار وفق مقتضياتها الممارسة السياسية، إذن النموذج العلمي الشرقي كان هو من نقل
سؤال الحقيقية من الحقيقية القداسة إل الحقيقية البرهان، و ليست فقط الاعتبارات
السياسية هي سبب نشوء الخطاب حول المدينة .
الإشكال الثاني : سؤال الفعل، من العقل
النّظري إلى العقل العملي
أولا. مقدّمة إلى إشكالية الفعل في
الفلسفة
تطرح المساءلات الفلسفية في عمومها مسألة الفعل بصورة متّصلة بقضية النّظر أو
التأمّل؛ فيما تذهب إلى ذلك المطارحة الدّيكارتية التي جعلت من الأنا المفكّرة
معيارا للوجود، وبالتّالي فهي سابقة على الفعل أسبقية أنطولوجية وزمنية؛ وقبل
المطارحة الدّيكارتية كانت الجدالات السقراطية تنحو نحو الممارسة الفعلية للفكر
الفلسفي، ذلك أن سقراط لم يكتب شيئا، لكنّه عاش مناضلا ومات مناضلا من أجل
الحقيقة؛ وأفلاطون هو من قام بصياغة أفكاره صياغة مفهومية وحوَّل تحليله لمفاهيم
الأشياء التي كانت لها غايات أخلاقية عملية؛ حوّلها إلى نسق كلي من الفلسفة، وأسّس
لثنائية لازالت أصداؤها تمسك بالفكر الفلسفي وتوجّه منظوراته؛ هي ثنائية المثالي
السَّامي والواقعي المتغيّر، فهما من طبيعتين مختلفتين ومتفاضلتين القيمة؛ وتبعا
لهذا جرى التأسيس إلى الفلسفة المنفصلة عن التّدبير الحياتي و الواقعي؛ إذ
الفيلسوف الحكيم المنشغف بالحكمة همه معرفة الحقيقية وليس معرفة الحياة، لأن
الحياة، هذه التجربة المأساوية لا تستحق أن تعاش إلا بوصفها شكلا من أشكال
التأمّل؛ ” فنحن نعرف جميعا أن التَّحديد الأصلي للفلسفة من حيث هي محبة الحكمة يقودنا
إلى التحرّر من الواقع اليومي، فالرجل الحكيم بالنسبة إلى الإغريق هو الذي ينسلخ
من خضم الحياة العادية و ينصرف إلى التفكير و النّظر في الكون و العالم وفي كل ما
يجعل الحياة ممكنة. فالبحث عن الحقيقية بواسطة المعرفة الخالصة مقصد التفكير
الفلسفي الأصلي. ذلك ينطبق أيضا على حداثة الفلسفة عندما توجّهت الاكتشافات
العلمية و التقنية في العصور الكلاسيكية إلى تأصيل الفكر الفلسفي، لأن الحكمة
حافظت على كونيتها وشموليتها وضمت في مخزون تفكيرها الحكمة العملية مثلها مثل
الفلسفة اليونانية أو الفلسفة العربية”[20].
وتتوالى الشَّواهد من فلسفة الإغريق على هذه الحقيقية التي ترى بأن الفلسفة هي
معرفة الحقيقة؛ الحقيقية الكلية المتعالية غير المرتبطة بأيّة أهداف جزئية، و
الفيلسوف هو الذي ينحصر جهده في تفسير الأشياء لا الأشياء في ذاتها؛ يقول أفلاطون
في محاورة تيتييت ” إنني أتحدّث عن عظماء الفلاسفة، إذ لا أرى جدوى من الحديث عمن دونهم، ويلزم أن
نقول عن أولئك بأنهم من صباهم، لا يعرفون الطريق التي تؤدّي إلى الساحة العمومية و
لا أين توجد المحكمة و لا قاعة مجالس المدينة….و النّوادي التي تناقش فيها المهام
وعن الاجتماعات و الحفلات و الأعياد “باخوس” وما يصاحبها من عزف على النَّاي، فإن
هذه الأمور لا تخطر ببالهم حتى فكرة المشاركة فيها….هو وحده أي الفيلسوف الحاضر
المقيم في المدينة، أما فكره الذي ينظر إلى هذه الأمور بعين الاحتقار على أنها
أشياء تافهة لا قيمة لها، فإنّه يحلّق في فسيح الأجواء… باحثا في أعماق الأرض يقيس
مساحتها، متتبعا حركات الأفلاك فيما وراء السماء.. مُدقّقا في الطّبيعة بأكملها،
وفي كل كائن بكليته، دون أن يلتفت إلى ماهو على مقربة منه “[21] . إنه كلام من أحد أعمدة الفكر الفلسفي الغربي الذي وُصفت الفلسفات اللاّحقة عليه
بأنّها أفلاطونية برمتها، لأنّها تكرر الثنائية الانفصالية بين المعقول و المحسوس،
بين الفكر و الواقع، بين الأنا و الواقع، بين الفكر و الحياة، يظهر لنا الفيلسوف
هنا كما لو أنّه يعيش وسط تجريداته النّظرية؛ وغيرها لا يستحقّ التّقدير و
التّثمين.
وغير بعيد عن هذا التأسيس للفصل بين الفكر و الحياة، يطالعنا أرسطو بموقف شبيه
من موقف أفلاطون في تصوير الفكر الفلسفي، لكن تحت اسم آخر هو الحكمة أو العلم
الأسمى، الذي يُعَدُّدُ له جملة من المواصفات التي تنطبق على الحكيم منها:
·
الذي يحصل على معرفة
الأشياء جميعها في حدود المستطاع.
·
الذي يعرف الأمور
العويصة التي لا تبلغها المعرفة الإنسانية إلا بصعوبة .
·
الذي يعرف المبادئ و
العلل معرفة أكثر ضبطا.
أخيرا وهنا بؤرة الدّهشة مع أرسطو ”
أن العلم الذي يُعتنق لذاته وقصد المعرفة وحدها، يعتبر أكثر حكمة من العلوم
التي تُعتنق لما تحقّق من نتائج
“[22]. ثمة إذن تحالف قوي بين هؤلاء المتفلسفة ضد الحياة و ضد إقامة الجسر بين العقل
النّظري و بين العقل العملي، فسمو العلم آت من سمو موضوعه أي العلوم الشريفة التي
تتخذ من المتعالي موضوعا لها، ويبدو أن ّ هذا التأسيس للاحتقار الأنطولوجي للمظهر
و الفعل هو الذي جعل حدودا للفكر الفلسفي ضمن دوائر التَّحليل المعرفي المحض
وتخصيص الإنسان بصفة العقل بما هو جوهر قائم يختص بالمعرفة، لكن هذه الإقرار على
شدّة رسوخه لم يحظ بالتّرحيب الكلي، وإنّما جرى الانقلاب عليه وتغيير قبلة الفكر
الفلسفي من التركز حول العقل النّظري إلى افتتاح حقبة العقل العملي، إذ الفلسفة
ليس شأنها منحصرا في النّقد و التّحليل، وإنّما شأنها في التَّغيير و التّقويم
وبناء منظومات القوى الفاعلة في الحياة.
ثانيا . تحوُّلات الخطاب الفلسفي : من اللوغوس الفكري إلى الإيتوس الحيوي
لم يبق الفكر الفلسفي متمركزا حول “أنا أفكر”، أو العقل النّظري، أو العقل
الواعي لذاته، ولم يكتف بلذّة الحكمة النّظرية، بقدر ما كسّر هذه الأصنام الفكرية
التي لا تحرّك الحياة، و لا تنفث في الواقع دم الحياة، وبدلا من التقليد الّديني
الفلسفي المأثور ” في البدء كان الكلمة”، انبجست مقولة أخرى هي
“في البدء كان الفعل”، وأضحت الفلسفة المعاصرة تنحو هذا المنحي الفعلي، وترسم الدّلالة الميتافيزيقية للفعل، وجرى إعادة كتابة
تاريخ الأنساق الفلسفية لا بوصفها أفكارا من نتاج الوعي الخالص حين يتأمل ذاته،
وإنّما هي مصادرات عملية وتضرب بجذورها في صميم الذّات الفاعلة التي تنجز أفعالا
وتصوغها في أنظمة نظرية، أي أن فلسفة الفعل لا تدلنا على طريق الخروج من حقبة
الأنا الخالص الواعي بذاته إلى الأنا افعل أو أحيا فقط، وإنّما تقدّم لنا أدوات في
القراءة والتّأويل لتاريخ الأنساق الفلسفية الكبرى، حيث كان ” معظم الفلاسفة في
التاريخ أصحاب قضايا وحملة رسالات كالأنبياء يصدق عليهم ” العلماء ورثة الأنبياء”،
كان سقراط صاحب قضية تنوير الناس، وأفلاطون حامل رسالة تربية المجتمع الأثيني
وتكوين المدينة الفاضلة، وأوغسطين صاحب موقف، الدفاع عن المسيحية ضد الشكاك و
المانويين و الوثنيين في الخارج و الفرق الضالة أنصار دوناتوس وآريوس في
الدّاخل….. وأراد ديكارت وبيكون أن يؤسّسا المعرفة الجديدة. كما أراد كانط أن
يبيّن إمكانيات العقل وهيجل أن يكشف عن قوانين الجدل، وفشته أن يؤسس نظرية في
العلم باعتبارها حرية، وماركس أن يغيّر العالم، وهوسرل أن يكمّل المثالية
الترنستدالية منذ البداية حتى النهاية الكوجيتاتوم منذ الأنا افكر حتى الأنا موضوع
التفكير “[23] . وإن هذا التحوُّل في
الخطاب الفلسفي من الأنا موضوع التفكير إلى الفعل والسُّبل العملية لتجديده
يجد أسبابه ضمن ما يلي
:
·
العلاقة التَّكاملية
بين الفكر و النّظر وليست العلاقة المختلفة في الطّبيعة و المتفاضلة من حيث القيمة، ” لأنّنا لا نستطيع توسيع و تطوير الملكات الفاعلة للفكر البشري دون تطوير بذور
أخلاقيته في نفس الآن، عكسيا لا يمكننا إخصاب هذه البذور دون استخدام وتوظيف كل
هذه الملكات الفاعلة”[24]. وليس ثمة أكثر من المجال التّداولي الإسلامي أولى قيمة لهذا التَّكامل بينهما أي بين النّظر و الفعل؛ بل رفع
مرتبة العمل إلى رتبة معيار صلاح الإنسان في الحياة الدنيوية والأخروية لأنّه أي
المجال التداولي ” يسلّم أن الدّخول في العمل يورّث صاحبه علما غير العلم الذي
حصّله؛ مما يستفاد منه أن العمل يُتوصل به إلى العلم، وأنّه على قدر تغلغل الإنسان
في العمل، يزيد علمه ويتّسع عقله، إذ تنفتح له أبواب جديدة في الفهم و المعرفة قد
يختصّ ببعضها، وقد يشترك مع غيره في بعضها، لذلك اتخذت العلاقة بين العلم و العمل
في المجال الاسلامي صورة جدلية خاصة : فكلّما أوغل المرء في العلم، خرج إلى عمل
أصلح، وكلّما أوغل في العمل، خرج إلى علم انتفع، متقلّبا بينهما من غير انقطاع”[25]. ويعضد هذا الإقرار
بالعلاقة الجدلية بين العلم و العمل أن اللغة العربية امتازت بتشقيق اللفظين العلم
و العمل من نفس المادة اللغوية : علم، ودلالة هذا التشقيق هو العلاقة الجدلية التي
أومأنا إليها في نصوصنا المقتبسة.
·
الأبعاد الحيوية للفعل
على الإنسان : فيما أشار إلى ذلك فيلسوف الشّخصانية مونييه Mounie ” أن الفعل يعدّل من الواقع الخارجي، ويصنع
ذواتنا، ويقرّبنا من النّاس، ويُثري عالم القيم“[26]. فما أنكى ما نحياه نحن
اليوم في وجودنا، إذ الانفصال عن العمل هو الذي أورث الفوضى في الحياة الخارجية
وشيوع الفتور و اللاّمبالاة في حياة الإنسان، لأنّنا لم نتذوّق حلاوة الفعل و كيف
يعدّل ذواتنا ويصحح مسارنا السلوكي، وليس مظهر اغتراب كما راهنت الفلسفة الماركسية
زمنا غير قصير، وهكذا أدرك الإنسان المعاصر أنّه :
·
أولا. لا يوجد إلا بقدر
ما يعمل: لأن الفعل وحده هو الذي يجعله يوجد بمعنى الكلمة. وأنّه
·
ثانيا : يفرض بعمله ضربا من
التّغيير أو التبديل على العالم المادي، لأنّ الفعل الذي يقوم به لابد أن يحدث
آثاره في العالم الخارجي، وأنّه
·
ثالثا، يخلق عن طريق فعله نوعا من الاتصال بينه
وبين الآخرين؛ لأنّه يخلق بالتزامه أمام نفسه وأمام الآخرين ” عالما روحيا” يقوم
على الـتأثير و التأثّر، وأنّه
:
·
رابعا : يعمل على تدعيم عالم القيم البشرية: لأنّه
يحرر الذّوات الأخرى ويوقظها من سباتها حين يجسم مثله العليا في الوسط الاجتماعي،
فيعمل على تقريب شقة الخلاف بين الواقع و المثل الأعلى “[27].
أمام هذا، فإن عالم المثل أو القيم في وجودها المثالي ليست معطى جاهزا، وإنّما
هو عملية تحويل الواقع إلى مثال كما قال ذلك ” ماكس شلر”.
·
الأثر العميق للفعل على
الحياة الأخلاقية الفاضلة
: إن مكارم الأخلاق باعتبارها منظومة قيم تكتسي تعيّنها المكتمل عندما تجد محلا
لها تتجلّى فيه، ولا أقوى من المحل السلوكي بفضائه الفردي و الجماعي، وفي الفلسفة
الأخلاقية الإسلامية نجد هذا الإلحاح على الدَّور التَّقويمي للحكمة العملية
مركزيا، ذلك أن “الذي يحصل على العلوم النّظرية من غير أن يكون له ذلك على كماله، فهو الفيلسوف
الباطل، والفيلسوف البهرج، هو الذي يتعلّم العلوم النّظرية ولم يُعوّد الأفعال
الفاضلة، ولا الأفعال الجميلة، بل كان تابعا لهواه وشهواته في كل شيء… هكذا يكون
الفيلسوف الكامل على الاطلاق هو الذي تحصل له العلوم النّظرية و العلوم العملية،
وتكون له قوة استعمالها بالوجه الممكن فيه، و الكامل على الاطلاق هو الذي حصلت له
الفضائل النّظرية أولا ثم العملية ببصيرة يقينية “[28] . وغير بعيد عن ثورة الفارابي على الفيلسوف البهرج يرسم الغزالي للعمل دورا تربويا روحيا، كي يكون قوة تمد
السلوك الأخلاقي بالتوثّب و الفعل و الحركة، ففي حدّه للعمل يقول أبو حامد: ” فلسنا نعني به أي العمل
إلا رياضة الشهوات النّفسانية وضبط الغضب، وكسر هذه الصفات لتصير مذعنة للعقل، غير
مسؤولة عليه، ومستسخرة له، في ترتيب الحيل الموصلة إلى قضاء الأوطار، فمن قهر
شهوته، فهو الحر على التّحقيق بل هو الملك”[29]. فالحرية هنا غاية للعمل، وعدل إنساني مع الذّات، لأنّ الذي يعدل مع نفسه هو
الذي يجعلها في مكانها الصحيح ولا ينزلها رتبة لا تليق بخصائصها الجوهرية، فمن
العدل أن تكون للقوة العاقلة والأخلاقية سلطان وسياسة للقوتين الغضبية و
الشهوانية، و هذا لن يحصل إلا بالفعل و الحركة والإبداع. لأن الذّات لا تجد ذاتها
بالتصور و التفكير، وإنّما تجدها في الفعل و الفاعلية و الحركة، وبالتالي فالعالم
ليس معطى جاهزا، وإنّما هو يبدأ و يعاد بالعمل المستمر المتسع القاصد.
·
امتداد أثر الفعل إلى
الوجود الأخروي : ثمة لفتة مهمة، يجدر التَّنبيه لها، وهي مسألة امتداد أثر الفعل إلى الحياة الأخروية للإنسان، بحيث
يصبح هو معيار فوزه أو خسارته، فالعمل بتعبير أبي حامد الغزالي هو الذي ينجي
الإنسان و ليس العلم مهما كانت قيمته عند أهل النّظر المجرّد؛ ويرشد الغزالي طالب
المعرفة إلى ضرورة العمل، وإلا فإن بضاعته لن تقوى على دفع الضّرر عليه ” لا تكن من الأعمال
مفلسا و لا من الأحوال خاليا، وتيقّن أن العلم المجرّد لا يأخذ اليد… ولو قرأت
العلم مائة سنة وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل: ”
وأن ليس للإنسان إلاّ ماسعى ” [النجم 39]، ” فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا
صالحا ” [الكهف 110]… أيها الولد مالم تعمل لم تجد الأجر…أيها الولد العلم بلا عمل
جنون، والعمل بغير علم لا يكون و اعلم أن العلم لا يبعدك اليوم عن المعاصي ولا يحملك
على الطاعة، ولن يبعدك غدا عن نار جهنم، وإذا لم تعمل اليوم و لم تتدارك الايام
الماضية تقول غدا يوم القيامة، فأرجعنا نعمل صالحا، فيقال لك : يا أحمق أنت من
هناك تجئ… لو كان العلم المجرّد كافيا ولا تحتاج إلى عمل سواه، لكان نداء، هل من
مستغفر، هل من تائب ضائعا، بلا فائدة[30] .
هنا تظهر لنا القيمة الأساسية للعمل التي تتجاوز دائرة النّفع الدنيوي إلى
الأخروي، وهذا هو البعد الذي لا نجده حاضرا في فلسفات الفعل المتمحورة حول قيمة
الفعل، فحقيقة أن الفعل يعدّل من الواقع الخارجي، ويصنع ذواتنا، ويقرّبنا من
النّاس، ويُثري عالم القيم فيما يذهب مونييه، إلا أنّه أيضا يجعله يمتد في عالم
غير هذا العالم الدّنيوي، لأن العمل ليس منحصرا في دائرة المنافع الدنيوية فقط،
وإنّما أيضا ينفع في الآجل أيضا، من هنا عمل المجال التّداولي الإسلامي على ضرورة
وضع مبادئ ضابطة لحقيقية العمل، وهي مبادئ متعلقة بالعلم وحقيقته ،” أحدها ” مبدأ تقديم اعتبار
العمل ” ويقضي بأن كل مسألة لا يترتّب عليها عمل لا فائدة منها و لا حاجة للبحث
فيها، بل يقضي بأن كل كلام ليس تحته عمل يجب تركه، و الثاني ” مبدأ العلم المستعمل
“، ويقضي بأن لا يتعلّم المرء من العلم إلا ما يعمل به، ولا يندفع في
الاستزادة، حتى يعمل بما حصّل منه، بل عليه أن يقتصر منه على القدر الذي يعرف به
العمل، و الثالث ” مبدأ العلم النافع”، ويقضي بأن لا يتعاطى المرء إلا العلم الذي
إذا عمل به لا تقتصر ثماره على عاجله، بل تتعداه إلى آجله، و لا تقتصر على ذاته،
وإنّما تتعدّاها إلى غيره
“[31].
هكذا إذن، تتبدّى لنا الدّلالة الاتّساعية للفعل وفق تصور الأخلاق الدّينية
الإسلامية، وهي الدّلالة التي تجمع في ذاتها كافة المنافع التي أشرنا إليها سابقا،
أي التأثير في الطّبيعة وإثراء عالم القيم، والامتداد في المجتمع، والفوز في
العاجل الذي لا يتحقق إلا باقتران الفعل بنية التقرُّب بهذا الفعل إلى الله، وإلا
فهي أفعال ناقصة ومحدودة، ولا تكتسب المشروعية إلا بازدواج الفعل بالنية، لأنّ
النية هي روح العمل، بما أن “الأعمال هي صور قائمة وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها [32].
و بالتالي فالفعل هنا متى كان مقرونا باستحضار المعيّة الإلهية ومستقيما وفق
الشريعة الإلهية نال السعادة في الدّنيا و في الآخرة؛ وإذ عُرف هذا، فإن
السعادة ” في منظور الاسلام لها علاقة ببعدين من الوجود يشار إليهما بتعبيري
السعادة الدّنيوية و السعادة الأخروية. تُناقضُ السعادة الشقاوة، والتي تدل بصورة
عامة على النّكبة و البلاء العظيم، وتعبير السعادة الأخروية يشير إلى السعادة
القصوى و النّعمة و الهناء المقيم و الذي أعظمه رؤية الله الموعودة للذين عاشوا في
الدّنيا حياة عامرة بالخضوع و التّسليم لله تعالى طائعين أوامره ومجنبين نواهيه “[33].
فالفعل المقرون بالنية الخالصة التَّعبدية يحقق السعادة التي مدارها كما رأينا
الوجود الدّنيوي و الوجود الأخروى.
ثالثا. في ماهية الفعل ودلاله
سبقت الإشارة إلى سؤال الفعل في المداخل الفلسفية، وكذا التّحولات التي رفعت
الفعل إلى مرتبة المُحدّد للكينونة، وتشكل الخطاب الفلسفي المهموم بسبل تجديد
الفعل ووضع القيم التي تجعله فعلا أخلاقيا وإنجازيا، وضمن هذا المضمار يقول مارتن
هيدجر M. Heidegger في ” رسالة في النّزعة الإنسانية” Lettre sur l’humanisme :“ إننا لا نفكر بعد في
ماهية الممارسة بشكل حاسم، لذا فنحن لا ننظر إليها إلا باعتبارها نتاج أثر تكمن
حقيقته الثمينة في ما يسديه من خدمات وصلاحيات. هذا في حين أن ماهية الممارسة تكمن
في الإنجاز، والإنجاز معناه: بسط شيء ما في تمام ماهيته، وبلوغ ذلك التمام، بحيث
يكون الإنجاز هو الإنتاج بمعناه الأصيل”[34].
إذن الممارسة لا تهدف فقط إلى جلب المصالح و الحاجات، إنّما تهدف نحو الإنجاز
الأصيل و ليس الأنماط التكرارية لفاعليات الإنسان سوى شكل من أشكال اغتراب
عن الذّات، وقد ميّزت هَنا أرندت
Hannah ARENDT في كتابها “وضعية الإنسان الحديث” La condition de l’homme moderne بين ثلاثة أقسام للعمل “وهي الشغل و الصُّنع و العمل … فرأت في الشغل عملا
معاشيا يوفي بضروريات الحياة ويقوم على استهلاك المنتجات، بينما المحدثون بلغ من
قوة تعظيمهم للشغل أن أدرجوا فيه كل أنواع الفعالية الإنسانية، مادية كانت أو
ذهنية، فردية كانت أو جماعية؛ لكن يبقى أن الشغل، في نظرها، لا يعيد إلا إنتاج
الحياة الفانية على الدّوام، إذ لا يتعدّى رتبة الفعالية التي تنهض بالضّروريات
البيولوجية الدّورية للإنسان أما الصّنع فهو عندها، فعالية ترقى إلى رتبة بناء
عالم إنساني لا يشغله حفظ الحياة الطّبيعية، وإنّما حفظ الحياة الإنسانية
الحقيقية؛ إذ يكون الإنسان في هذا العالم، لا عبدا لحاجاته البيولوجية، وإنّما
سيّد ذاته وأفعاله من بدايتها إلى نهايتها، فتكون مصنوعاته عبارة عن آثار باقية،
لأنّه لم يصنعها بغرض الاستهلاك، وإنّما بغرض الاستعمال… وأما العمل … فلا يتعلّق
بالمجال الخاص الذي ينحصر في قضاء الحاجات المعاشية، وإنّما يتعلّق بالمجال العام
الذي يتسع للعلاقات بين الناس باعتبارهم متساويين؛ إذ فيه يتعاطى الإنسان للشؤون
العامة، مبادرا إليها ومدبّرا لها، ويرتبط بالآخرين بواسطة الكلام، لا بواسطة
الأشياء، كل ذلك يدخله في ذاكرة المجتمع و بالتالي ينال نصيبه من البقاء…وعلى هذا
الأساس فإن العمل السياسي في نظر هَنا أرندت هو الذي يورث الإنسان البقاء… وهو ما
عبّرت عنه بالانكشاف إذ ينكشف الفاعل السياسي في كلامه و عمله حتى يراه الآخرون
ويسمعوه “[35]. وهذه الاقسام تؤشر على معاودة سؤال الفعل والبحث عن التّمايزات بين الفعل
الأصيل وغير الأصيل ، بين الممارسة الإنجازية و الوجود الانتفاعي المتناهي، بين
النّشاط النّوعي للإنسان وبين الحياة الثقافية الحزينة من الحياة، أي أنّ ثمة
مراتب للفعل و الفعل الحق هو من يكون فعلا إنجازيا و ليس فعلا تكرايا .
ثمة تعدد في استخدام الكلمة التي تعبّر عن مضمون الفعل أو العمل، و الاستخدام
الرائج في الممارسة الفلسفية هو الفعل أكثر من العمل أو الممارسة مع حفظ قيمة
الاستعمال مهما كان مأتاه، و ويقتضي التّنبيه إلى أن لكل مقاربة أدلّتها الوجيهة.
فالراغب الأصفهاني يجعل من الفعل أشمل من العمل، وذلك على الوجه الآتي ” الفعل
الإنساني ثلاثة أضرب: نفساني فقط، وهو الأفكار و العلوم وما ينسب إلى أفعال
القلوب، وبدني وهو الحركات التي يفعلها الإنسان في بدنه كالمشي والقيام و القعود،
وصناعي وهو ما يفعله الإنسان بمشاركة البدن و النّفس كالحرف و الصّناعات”[36]،
ويبدو أن هذا التقسيم هو تقسيم ترتيبي ، يتضمن علاقة أثر بمؤثر، وبيان
ذلك “أن الأفكار و العلوم التي تقوم القلوب بفعلها هي التي تحفّز الإنسان على الفعل
البدني، بما فيه من مقتضيات الإيمان و الطّاعة وحسن الخلق، كما تحفزه على الفعل
الصناعي الذي يقتضي إتقان المهن و الصّناعات المفيدة و القيام بخدمة الناس بما
تقتضيه حياتهمّ، فالعلم يثمر الإيمان ، ويتبع الإيمان عمل وتطبيق”[37].
ويرى عبد العزيز العيادي أن الفعل أو الكَلم بلغة الفارابي ” هو اللّفظ الدّال
على المعنى وعلى زمانه، أي على جملة التحوّلات و التغيّرات التي تطرأ على الكلمة
في هيئة تركيبها وتشكيل حروفها، وعلى ما يساوق تلك التغيّرات من تغيّرات في المعنى
تبعا للتّصريفات الزّمنية الأساسية الثلاثة التي هي الماضي و المستقبل و الحاضر”[38]،
وواضح هنا الدلالة اللغوية أكثر من الدلالة الاجتراحية، أي التي تجترح فعلا في
الواقع من لدن مؤثر ذو غايات مخصوصة ومقصودة، ليتلو بعد هذه الدّلالة دلالة تظهر
لنا فيها المعنى الذي نرغب في اقتناصه، ونقتبسه على النحو الآتي ” الفعل بجملة ما اشتق هو
حركة لفاعل مؤثر سببيا في غيره، حركة جهد يصدر عنها أثر له دوامه مع قابليته
للتقويم حسنا وقبحا، صدقا وفرية، وله محلّه الذي هو فضاء تعمير وموقع متعة وحيّز
حركة”[39].
وثمة لفتة مفهومية نجدها في المعجم اليوناني ” في اليونانية لفظان
متمايزان إلا أنّهما متقاربان للدّلالة على كلمة الفعل agir فالفعلان اليونانيان
أركاين archein بدأ قاد ساس، وبرتاينprattein، اجتاز ذهب إلى آخر المطاف أتمّ، يناظرهما في
اللاّتينية أجيراري agere ، حرّك، قاد، أو أدار، و الفعل
جيرايراي الذي معناه الأول هو حمّل، في الصيغتين اليونانية واللاّتينية يحمل الفعل
دلالة مضاعفة، هي دلالة البدء ودلالة الإنجاز أو الإتمام، فمن يبدأ يقود ويسوس على
أن لا تكون القيادة و السياسة هيمنة على الأشياء و لا على البشر و إنّما هما
مبادأة ومبادرة، و القائم بهما محتاج بالضّرورة إلى من يؤازره في إتمام الفعل و
الوصول به إلى منتهاه، وهو ما يعني تضمن الفعل لدلالة المشاركة المبدئية ولدلالة
سيرورة التحقق التي يستحيل معها إنعزال المبادر أو استئثاره بما يوصل إليه الفعل
إلا في حالة الفصل بين الدّلالتين : دلالة القايدة ودلالة الإتمام”[40] .
تدل إذن هذه المعاني اليونانية، على فكرة البدء أو المبادرة، ولا يكون فعلا
هنا إلا إذا تضمن القيادية، وهنا يمكن أن نفهم القيادة بما هي فعل سياسي جماعي،
والقيادة بما هي قيادة النفس وإخراجها من دائرة المكرورات والمتداولات، إلى دائرة
الإنشاءات و الإبداعات للسُّلوك الجديد و المختلف و الواعي، بالإضافة إلى أن الفعل
لن تكتمل دلالته إلا بالإتمام كي تبسط الذّات ماهيتها، وهنا قيم أساسية في الفعل
موجّهة هي : المبادأة و القيادة والإتمام، وهذا يقود إلى التداخل الحاصل بين الفعل
و الانفعال، بما أن الحياة تكون وتتحقَّق بالانفعال الذي ينقل النَّفس من
وجودها الساكن إلى وجودها المتحرّك، وإبداء الصورة الخاصة بالذّات، وإخراجها من
المستور إلى المنظور، فالذّات السَّاكنة هي الذّات تعيش مع الأحلام و التمنيات،
وتسبح في الأوهام كما لو أنّها تنجز وتمارس، في حين أنّها تستيقظ على الواقع
القاسي، فترتدُّ مجدّدا إلى تمنياتها[41]، فالفعل انبساط وتجلّ يتماوج فيه الفردي بالجماعي، وليس
فكر التّحليق، الذي يغرق في تأملاته النّظرية و لايرسم الوجود بالفعل.
وبالإضافة إلى هذه الحقيقة المانعة من تحويل المستور إلى منظور أو تخارج
الباطنية و تبطّن الخارجية، فإن الارتباط بالتاريخ أيضا يشل الحاضر عن الفعل و عن
الإقدام، بخاصة إذا كان هذا الارتباط بالماضي على حساب الحاضر، ولقد عدّد
نيتشه في كتابه ” نفع التاريخ و ضرروه بالنّسبة إلى الحياة الخمسة أشكال
التاريخية المعادية للحياة و الحاضر ” تعميق التَّعارض بين الجواني و البّراني و
بالتّالي إضعاف الشخصية، توليد الوهم في عصر ما على أنّه يملك أكثر من أي عصر آخر
أرقى الفضائل وأندرها والتي هي فضيلة العدالة، إرباك قوى الشعوب كما الأفراد
ومنعها من بلوغ تمامها، تنمية الشعور بالعقم وتعزيز الإحساس بالتبعية إزاء ما فات
و انقضى، تنمية عقلية الارتياب و الصّلف والتوجّه تبعا لذلك جهة الأنانية المؤدّية
إلى شلّ و تخريب القوة الحيوية”
. وهنا نيتشه لا
يقصد العودة إلى التاريخ التي تشل الحاضر دوما، وإنّما التاريخ الذي يكون
معبودا لمن يعيش في الماضي على حساب الحاضر. إن ّ نيتشه أعجب بالأديان الشّرقية
وأعجب بثقافة الإنسان الحر النّبيل، التي يرى بأنّها وجدت في الماضي وهيمنت عليها
الثقافة الارتكاسية و رسمت لها صورة كئيببة، فالماضي الذي يمقته نيتشه هو الماضي
الميّت، الذي يمارس حضوره على حساب الحاضر و المستقبل”[42].
تلك إذن نماذج على موانع الفعل و الحركة، وهذا يدفع سعينا إلى استخراج عناصر المبادأة و المبادرة أو عناصر الفعل، التي يجوز
تحديدها في “ الاستطاعة ، تعني الإمكان و الاقتدار و القدرة،القيام بالفعل بمعنى أن كينونتي هي فعلي، التدخل بمعنى رسم الفعل وتنزيله في مسار العالم
تنزيلا يتطابق فيه الحاضر و الأن، الإيفاء بالعهد وهو ما يقتضي مواصلة الفعل و الدّأب عليه
و الاستمرار فيه .
أما عناصر الفعل التي تدخل في تكوينه فيمكن رصدها كالآتي ” الفرد الذي يحققه.
المادة التي يحاول أن يمارس يبدو لنا على ضوء الوقوف و التَّحليل لمفاهيم الفعل، و
العناصر المكونة له، مدى شمولية الفعل وذلك من الأوجه التالية :
·
“أن الأفعال ضربان : إلهي و إنساني
.
الإلهي: أربعة أضرب: إبداع،
وتكوين، وتربية، وإحالة. وجميع ذلك يسمى خلقا من حيث كان وجود كل واحد بمقدار، و الخلق في الأصل :
التّقدير المستقيم.
فالأول الإبداع: وهو إيجاد الشيء دفعة لا عن موجود، ولا بترتيب، ولا عن نقص إلى كمال، وليس ذلك
إلا للبارئ سبحانه و تعالى… و الثاني التكوين : وهو إيجاد الشيء من عدم بترتيب، ومن نقص إلى كمال… و الثالث رب الشيء : وهو تغذيته، وذلك
استخلاف ما تحلَّل من الأبدان فيما وجد عن كون ليبقى المدة المضروبة له، وبه قيل
له تعالى : رب العالمين.
و الرابع إحالة الشيء : وهو التغايير اللاّحقة لجميع الكائنات في كيفياتها من
طعم ولون و رائحة “[43].أما الفعل الإنساني فقد
أشرنا إليه سابقا، من أنّه نفساني و بدني و صناعي. فيها فعله. المقاومة التي يجب
أن يتغلّب عليها، الجهد الذي يتمثل في النّشاط المبذول من أجل الفعل “[44].
رابعا. التّداولية و تفعيل الفعل :
يتأسس الدرس التداولي في منظوره العام على تعيين مهمته المتمثلة في
إدماج السلوك اللغوي داخل نظرية الفعل، كما تتحدد عند البعض الآخر كمجال اهتمام
بالتواصل وبكل أنواع التفاعل الحية بين الأعضاء الحية، وينخرط أيضا داخل هذه الرؤى
الاتجاه الذي يرى في التداولية
pragmatique بوصفها استعمال العلامات ضمن السياق، حتى في مستوى الاسم يقترح البعض تسمية
“السياقية”، لذلك تقتضي منا الضرورة المنهجية تقديم تعريف أوَّلي للتداولية وذلك
باعتبارها تتطرق إلى اللغة كظاهرة خطابية وتواصلية واجتماعية في آن واحد كما يقول
فرنسيس جاك، وتستلهم من فلسفة اللّغة النّموذج الفلسفي الكامن بخاصة على النحو
الذي أرساه فتجنشتين وكارناب وأوستين، بما هو نموذج يعمل على استكشاف البعد
البرغماتي و الإستعمالي للغة أكثر من حصر الاهتمام في البعد الدلالي و التركيبي،
إنها المهمة التي أوكلها فلاسفة الوضعية المنطقية لأنفسهم حينما عملوا على
تطهير اللغة من كل الألفاظ الخالية من المعنى، وإرساء منهج التحقق بماهو منهج يصرف
النظر عن اللغة الميتافيزيقية الخالية من المعنى ويحقق الشروط المنطقية التي
تجعل من اللغة العلمية ممكنة، وهذا التوظيف البرغماتي للغة من قبل رواد مدرسة
الوضعية المنطقية هو ماعمل هابر ماس على استثماره وتوظيفه في نظريته
التواصلية. إن إدراك المعنى الحقيقي و الدقيق للتواصل
وآليات اشتغاله يتأسس على النظر إلى العلاقة التّخاطبية بوصفها عبارة عن إلقاء
جانبين لأقوال مخصوصة بغرض إفهام كل منهما الآخر مقصودا معينا، وهذا الإلقاء
للأقوال لا ينفصل عن الإتيان بالأفعال أو السلوكيات بغرض إنهاض أحدهما الآخر للعمل
وفق ذلك المقصود، وإذا كان الأمر هكذا فقد لزم أن تنضبط هذه الأقوال و الأفعال
بقواعد خاصة تحقق مقاصد المتكلمين أو بعبارة أخرى تحقق الفائدة التواصلية، هذه
القواعد تتبدى في وجهين:
–الوجه التبليغي: أو قواعد التبليغ التي تضبط الأقوال و العبارات.
–الوجه التهذيبي: أو قواعد التهذيب التي تختص بالقواعد العملية وموضوعة للدلالة على التعامل الأخلاقي.
والفرع المعرفي الذي يختص بتناول قواعد التبليغ هو فرع” الحجاج و الحوار”،
بينما تتولى التّداوليات من اللّسانيات الحديثة النّظر فيه لاهتمامه بدراسة
الاستعمالات اللغوية خاصة في تعلقها بمقامات الكلام وسياقات التلقي والتعامل، من
أجل هذا احتلت مفاهيم كالفعل و السياق و الإنجاز حيزا مركزيا في الدرس التداولي،
وهي مفاهيم كانت غائبة عن فلسفة اللغة و اللسانيات [45]
فالفعل ينبّه أن اللغة لا تخدم فقط تمثيل العالم أو تصويره بل تخدم إنجاز
أفعال، فالكلام هو أن نفعل، وبمعنى غير ظاهر ولكنه غير واقعي، تدشين معنى و القيام
على كل حال ب: فعل الكلام، إذ يوجه مفهوم الفعل هذا نحو مفاهيم أكثر دقة وشمولية
للتفاعل والتسوية، أما مفهوم السياق فالمقصود به الوضعية الملموسة التي توضع وتنطق
من خلالها مقاصد تخص المكان و الزمان وهوية المتكلمين وكل ما يحتاج إليه من أجل
فهم وتقييم ما يقال، ودون السياق تصبح المقاصد مبهمة ودون قيمة، لكن التداولية
تضيف مفهوما آخر إلى جانب هذه المفاهيم، هو مفهوم الإنجاز ويقصد به انجاز الفعل في
السياق، إما بمحايثة لقدرات المتكلمين، أي معرفتهم وإلمامهم بالقواعد وإما بتوجب
إدماج التمرُّس اللساني بمفهوم أكثر تفهما، كالقدرة التواصلية أو التداولية بوصفها
الأداة التقنية الملائمة لتعضيد فلسفة تعالي التواصل مثل كارل أوتو آبل وهابرماس.[46]
والمناحي الثّورية والتَّجديدية التي نجدها في الدّرس التداولي هي الثورة على
الأفكار الآتية :
·
أسبقية الاستعمال
الوصفي والتّمثيلي للغة.
·
أسبقية النّظام والبنية
على الاستعمال .
·
أسبقية القدرة على
الإنجاز.
·
أسبقية اللغة على
الكلام.
إن التّداولية على اختلاف مدارسها تظهر بوصفها إدراكا متأخرا بأهمية الفعل
والسياق والإنجاز، الذي يمكن للغة أن تقوم به، بما يرفع صور الغموض و الإبهام عن
مقاصد المتكلّمين، ولما كان فعل الكلام هو الذي يتمظهر في الإنجاز، توجّهت جهود
التداوليين إلى شرط أو وضع الشروط التّبليغية و التّوجيهية التي لكي يؤدّي الكلام
أغراضه، وتبعا لهذا التجديد التداولي للغة تغيّرت دلالات مفردات قارة في الفكر
الفلسفي منها :
·
الذّاتية: التي لم تصبح الأنا التي ترتد إلى وعيها
الخاص في فعل التّفكير، فالذّات لما كانت متكلمة فإن ذاتيتها نقاربها انطلاقا من
التّواصل و التّداول، لا التّفكير والتأمل.
·
الغيرية:هنا ثمة لفتة ذات وزن في صلة الأنا
بالأخر، فالغير ليس كيانا ساكنا، وإنّما ينكشف في التخاطب معه، وعندما أبني معه
علاقة ترابط في التخاطب اللّغوي، الذي يكون في مجتمع شبكته النّاظمة هي التواصل.
·
الكوجيطو الدّيكارتي : إن فعل التّفكير ليس حركة أنا واعية في
صميم داخليتها، وإنّما الفكر يوجد بقدر ما أتلفظ، أي من خلال ضرورة تداولية. [47].
هكذا إذن، تستأثر فلسفة الفعل في الفكر المعاصر باهتمام جلي، وتستقطب جماعات
علمية متعددة في مشاربها الفكرية ومتنوعة في أدواتها المنهجية، فبعد رُكُونِ
الفلسفة لحِقب معرفية طويلة إلى البحث عن الحقيقة النّظرية والمجردّة؛ مُعرِضة
بذلك عن الحركة والحياة، هي اليوم تستفيق من هذا النّسيان لسؤال الفعل وتبدأ في
رسم خريطة جديدة للفكر تروم من ورائها استكشاف السُّبل المنهجية التي تدل ُّعلى
كيفية إنجاز الفعل الأصيل والإبداعي والمتجدِّد، تنجز الفعل الذي يجعل الإنسان
يخرج من الأفعال النَّمطية إلى الأفعال التي يؤكّد بها ذاته وينفتح بها على الله
في الآن نفسه. من هنا أضحى الفعل وُجهة جديدة للاهتمامات المعرفية التي تتوزّع بين
علم الأخلاق وعلم الاجتماع وعلم النّفس والتصوُّف، وجميع هذه الطرق المعرفية
أوكلت إلى نفسها مهمة تجديد الذّات الإنسانية بنقلها من فتور الوجود إلى حماسة
الحضور، ومن ضيق السُّلوكيات القائمة الشَّكلية إلى بث روح الإخلاص فيها.
خاتمة أو قيمة الإيضاح للإشكال :
لقد كانت جولتنا المعرفية ومساءلة قيمتي الحقيقة و الفعل في فلسفة القيم، ذات
ابعاد توضيحية في صميمها، والتّوضيح كما هو معلوم أحد وظائف الفلسفة، لكنه ليس
توضيحا منطقيا كما هو منتشر في مباحث الوضعية المنطقية، وإنّما هو توضيح يبيّن
مناحي الخفاء في أنظمة الفكر، فالحقيقة كما تناولناها هنا، ليست مقولة فلسفية
تخترق إنتاجات الفلاسفة وترسم مقاصدهم، وإنّما ثمة انعطافة لم يلتفت لها في تاريخ
المعرفة الفلسفيةّ، هي الانعطافة التي نقلت العقل من الإرتكاز على القداسة، إلى
الإرتكاز على الدّليل، لكنها انعطافة احتفظت بالمضمون الدّيني و صرفت الشكل إلى
الإجراءات البرهانية الفلسفية، بينما سؤال الفعل، فقد شكل أخطر انتقال
للذّات من تمحورها حول اللُّوغوس، إلى التحرّر من هذا الوهم، وربط الفلسفة بالحياة
أكثر، بحيث أضحى الفعل ملتقى اتجاهات فروع معرفية متعدّدة : تاريخ الأخلاق،
والعلوم الاجتماعية واستشراف المستقبل ، بما رفعه من ميتافيزيقا النّسيان
إلى فيزيقا الحضور، فأضحت مفردات الغريزة و الجسد والجمال و الحياة، هي
الملامح الكبرى على نسق في الفكر الفلسفي، يمكننا نعته بأنّه لوغوس الفيزيس،
وبهذا، فالحقيقة هي الوجه و الفعل هو القفا، والصلة بينهما تكاملية حيوية تبادلية،
تبادلية من جهة إغناء أحدهما للأخر، وتكاملية من جهة حاجة الفعل إلى نور من شعاع
الحقيقة، وحاجة الحقيقة إلى جماليات الفعل كي تتمظهر و تتخارج وتتعيّن.
[6]André Laland, Vocabulaire
technique et critique de la philosophie, V2, N-Z PUF. Paris, 1988,
p1197-1198
[9] رجاة العتيري، الحقيقة
عند اليونانيين القدامى وعند نيتشه، المجلة التونسية للدراسات الفلسفية، تونس:
العدد السابع أكتوبر 1988، ص 33.
[10] برتراند أوجيلي، الحقيقية، ضمن كتاب : علي بنمخلوف و آخرون، مفاهيم الحقيقية، ترجمة عبد القادر قنيني، المغرب، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2005، 54/55.
للأستزادة أكثر انظر:
فاسيليس جي فتساكس، أفلاطون و الأوبانيشاد، لقاء الشرق بالغرب، جدل المقدّس في المنظور الفلسفي،
الهندوسي اليوناني، ترجمة سهى الطريحي، سوريا : دار نينوي للدّراسات و النّشر و التوزيع 2010، ص
48.[11]
[12] محمد الجوة، الحقيقية المقدّسة، ضمن كتاب : محمد الجوة و آخرون، الإنسان و المقدّس، تونس : الجمعية التونسية
للدراسات الفلسفية، دار محمد علي الحامي، 1994، ص 10.
أورده محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي»التفكير الفلسفي» سلسلة دفاتر فلسفية دار
توبقال للنشر المغرب ط3 2008، ص188.
[18] جون بيار فرنان، أصول الفكر اليوناني، ترجمة سليم حداد، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع بيروت، 2008
ص 42.
أفلاكون، محاورة تييتييت، أورد النّص محمد سبيلا و عبد السلام بنعبد
العالي، ضمن كتاب ، التّفكير الفلسفي، المغرب: دار توبقال للنّشر، 2008، ص 30. [21]
حسن حنفي ، النّظر و العمل و المأزق الحضاري العربي و
الاسلامي الراهن، ضمن سلسلة حوارات لقرن جديد، سوريا:
2003، ص 2004.[23]
طه عبد الرحمن، سؤال العمل بحث عن الأصول العملية للفكر و
العلم ، المغرب، بيروت:
المركز الثقافي العربي 2012، ص 16.[25]
طه عبد الرحمن، سؤال العمل، بحث عن الأصول العملية في
الفكر و العلم، المغرب ، الدار البيضاء: المركز الثقافي
العربي، 2012، ص 14.[31]
ابن عطاء الله
السكندري، الحكم الكبرى و الصغرى والمناجاة الإلهية و المكاتبات، بيروت : دار الكتب العلمية، 2006، ص 5.[32]
[33] سيّد محمد نقيب العطاس، السعادة ومعناها في الاسلام، ترجمة دكتور حسن ابراهيم النقر، ماليزيا : المعالمي للفكر و الحضارة
الإسلامية، 1995، ص 4.
فتحي حسن ملكاوي، البناء الفكري، مفهومه ومستوياته وخرائطه، أمريكا : المعهد العالمي للفكر الاسلامي، 2015، ص 55.[37]
[41] يقول سارتر ” فلسفة التاريخ والتاريخ و
الأخلاق التاريخية عليها أن تتساءل بدءا عن طبيعة الفعل، يجب استئناف الأمر على الصعيد
الأنطولوجي ذاته، بما أن التاريخ يدرس فعل الناس في العالم و فعل الإنسان في الناس
ورد الناس و العالم على الفعل الأول، فالفعل مقولة أساسية في التاريخ كما في
الأخلاق” في كتاب : محاولات من أجل الأخلاق، دار غاليمار، باريس، 1983، ص 56.
أنظر، طه عبد الرحمن، اللَّسان و الميزان أو التكوثر العقلي، المغرب، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2006.[45]
شكرا على المقال استاذ مقال رائع
ردحذف