نحو حرارة ثقافية-فكرية الدكتور عبد الرزاق بلعقروز جامعة سطيف2 سطيف
لاشك بأن الصّلة الموجودة
بين الثقافة والفكر والمعرفة صلة حيوية، فالفكر يتأثر بالثّقافة كما يتأثر الإنسان
بخصائصه الجينية البيولوجية، وقد ميّز أهل الفكر دوما بين الأفكار الطبيعية
والأفكار الصّناعية، وقصدوا بالأولى ما يتشرَّبُه الفرد من الحاسوب الثقافي
الكبير، أي من محيطه الثَّقافي الأصلي؛ وقصدوا بالثانية أي الصناعية، التصرُّف في
هذه الأفكار الطَّبيعية الأصلية؛ بلغة علمية وتقنية اصطلاحية خاصة، وكأن الأفكار
الطبيعية أفكارا للجمهور، والأفكار الصّناعية أفكارا للنّخبة، والفرق بينهما ليس
فرقا نوعيا، وإنما هو فرق في اللُّغة التي تَسْتَخْدمها النّخبة من خلال
اصطلاحاتها وأشكال تواصلها؛وابن خلدون في مقدّمته لفت انتباهنا؛ إلى أن المنطق
الذي يتداوله المناطقة "علماء المنطق" بقوانيه ومصطلحاته، ما هو إلاّ
تصرُّف في أفعال الفكر الأصلية؛ "فالمنطق أمر صناعي مُساوق للطّبيعة الفكرية
ومنطبق على صورة فعلها" (ابن خلدون،). وتواصلا مع هذه اللُّمع الفكرية في
تكامل المجال الأصلي بالمجال الفكري، فإنّ تفعيل التّفكير في ثقافتنا أي في المجال
الأصلي للثقافة، يُنْتِج تلك الثنائية التي يؤثّر أحدهما في الآخر، أي تأثير الثّقافة
في الفكر، وتحريك الفكر للثقافة، وإلاَّ أصيبت الثّقافة بالجمود، وابْتلي الفكر
بالضّياع والانفصال عن مخزونه الدّلالي ورصيده التّوجيهي، والواجب أمام هذا؛ الإبقاء
على هذه الحرارة الثقافية بين الحاسوب الثقافي الكبير أي الثقافة كقيم موجّهة
أصلية؛ وبين فعل العقل نحو كسب المعرفة من مصادرها المتنوعة، ذلك أنَّ الثقافة
الأصلية هي من تمَنَح الفكر شروط تشكّله وصورته وكيفية تكوين مفاهيمه، "فعقلي
يُعرف من خلال ثقافتي، وثقافتي تُعرفُ من خلال عقلي فيما يقول عالم الاجتماع
الفرنسي إدغار موران. ومن الدّعامات الدَّافعة على وجود حرارة ثقافية-فكرية، أن
يصير الحوار والاختلاف الفكري ملكات راسخة في ثقافتنا، وضابطة لفعلنا الفكري،
فالاختلاف يجعل من العالم يبدو لنا بإمكانات ووجوه متعدّدة، لا بإمكان واحد أو وجه
واحد، لأنّ نتيجة الرأي الواحد هي الجمود، بينما الاختلاف بخاصة إذا كان مع حواسيب
ثقافية كبرى نختلف معها في الكليات الثقافية وليس في جزئياتها؛ فإن ذلك يكون أقوى
للحرارة الثقافية؛ وأقدر على الإبداع والعطاء والتجدُّد؛ في حين؛ أنّه؛ إذا كان مع
الحواسيب الثقافية الصُّغري؛ فإن ذلك يوسع من عدد الطرق التي تروم الوصول إلى
الحق، "طرق الحق بعدد أنفاس الخلق"،
وهذا الاختلاف الرّافع والحافز على تحريك الثقافة، إذا ازدوج مع الحوار،
فإنّه يكون أكثر قوة للحرارة الثقافية في تشابكها مع حرراة الفكر، ذلك أن مبنى
الاختلاف هو حضور الذّات العاقلة والمدلّلة، وبالتالي فهو حوار بين العقلاء
والمجتهدين، في حين أنّ الخِلاف؛ هو غياب الذات العاقلة والمدللة، وحضور الوعي السَّطحي
والتعصّب غير الواعي لفكر أو رأي؛ والفكر في طبيعته الذّاتية لا ينمو أو يمتدّ إلا
وسط الحوار، فالنّظرة التي يغيب فيها الحوار، تكون تفكيرا من جانب واحد، نتيجتها
ضيق الفكر وسطحيته وعدم اتساعه، والحوار الاختلافي هو تفكير من جانبين أو أكثر،
فتكون المُحَصّلة حياة العقل، وحركة الفكر، واتساع النّظر، وتَقْليص شقة الخلاف
بين أطراف الحوار.
إذن، فإنّ ثمّة علاقة
تبادلية "يؤثر أحدهما في الآخر " وتكاملية " يستفيد أحدهما من
الآخر " بين الثقافة وبزغ الفكر، فالثقافة تطبع الفكر بروحها، والفكر يفتح
للثقافة إمكانات جديدة لحياتها، وذلك موقوف على حضور الذّات العاقلة والمفكرة في
صورة اختلاف حواري انفتاحي، وغياب الذّات غير العاقلة وغير المفكرة في صورة خِلاف
يقطع أسباب الحياة ويُسْكِنُ الفِكر في الجمود و الانغلاق.
موضوع فكري فلسفي رائع دكتور من مواضيع الساعة ..لكن لن تكون هناك حرارة فكريةوثقافيةما لم نتموضع فكريا وثقافيا كعرب ومسلمين امام العالم وننطلق في التأسيس لفكر فلسفي ثقافي ينطلق من ذاتنا التي تزخر بهذا الفكر وفق رؤيتنا وفلسفتنا نحو العالم .لان مصيبة وتخلف مجتمعاتنا العربية يكمن في المقام الاول في التبعية الفكرية والثقافية وقصورها.التي انتجت مجتمعا أنوميا ...لكن نأمل فيك دكتور فيلسوف الجزائر المعاصر الذي تحاول أن تعيد الفكر الى منابعه الاصيلة وتنطلق نحو العالمية ....بكل فخر واعتزاز نقول بانك فعلا فيلسوف متألق ومفكر مبدع أتمنى لك كل التوفيق والنجاح...د-علي شبيطة.
ردحذف