تحولات الفكر الفلسفي المعاصر
تحولات الفكر الفلسفي المعاصر
يرصدالكتاب طبيعة التحول الجذري العميق والمساءلات النقدية العنيفة لنماذج العقل بمعناه الحداثي، محللاً ومناقشاً قيم التنوير الفلسفي ونظريات التقدم الحضاري، خاصة تلك التي طورتها عناوين الحداثة الغربية المختلفة متبوعة بإرادة تأصيلها حضارياً، أو في جعلها كونية أو شمولية.
ويبرز تركيز المؤلف على هذا النقد وفق منهج يجمع بين الداخلي والخارجي، داخلي يستثمر العدة المعرفية والمنهجية التي أفرزتها تحولات العلوم الإنسانية المعاصرة والقراءات التأويلية المختلفة، كقراءة نيتشه الجينالوجية، ومقاربة فوكو الحفرية، ونقدية جون بودريار التي تتوسط الفلسفة والسوسيولوجيا. وثانياً خارجي يعتمد على الخصوصية الثقافية في شكلها الأخلاقي، لتقويم الحداثة الغربية وكشف الآفات الأخلاقية التي لحقت بها وألحقتها بالإنسان.
يتوزع الكتاب على ثلاثة أبواب وعشرة فصول، ويعنى بدقة بحث إشكالية المصطلح الفلسفي من جهة العلاقة بين الإرادة والكلمة والمعنى، ويبين فيه المؤلف أن القراءة الجينالوجية تتساءل عن فلسفة المصطلح أو النظرية كتشخيص وبرنامج في الوقت نفسه، تشخيص ينظر إلى المصطلحات والنصوص بمعنى أوسع، كصراع قوى يستوجب إرجاعها إلى المنابت الأولى التي أنتجتها، والإرادة المستبطنة خلفها ومن ثم قصور آليات تفسيرها ومحدودية نتائجها.
وبرنامج يدعو إلى إطلاق القسمة من أسر الاتباع والكشف عن تحيز سياقات ومقامات المصطلحية لتحصيل القدرة على تسمية الأشياء وترتيبها على ضوء الجهاز المقولاتي الخاص والنموذج المعرفي التوليدي المبدع.
ويتناول الكتاب سؤال الحداثة عند طه عبدالرحمن، من النقد الأخلاقي إلى إعادة إبداع المفهوم ويلاحظ بلعقروز أن ما يستوقفه أولًا هو ذلك الترابط المنهجي والاتساق الداخلي بين مختلف الإشكاليات والقضايا التي ضمنها، وليس هذا بغريب على كل من تمرس بلغة المنطق بنوعيه الصوري والرمزي، ومن امتلك ناصية التداوليات بما هي إحدى أهم فروع فلسفة اللغة المعاصرة، فالتماسك الداخلي والاستدلال الحجاجي وتقريب المنقول بما يتناسب والمجال التداولي، لغة وعقيدة ومعرفة، مواصفات يختص بها مشروع طه عبدالرحمن في استشكالاته المتعددة.
وبالإضافة إلى ما يكابده المجتمع المسلم من تحديات مادية، فإنه يكابد تحديات معنوية، وفي مقدمتها التيه الفكري الذي تسببت فيه كثرة متكاثرة من المفاهيم التي تصنعها المجتمعات الأخرى، مثل:
العقلانية، اللاعقلانية، الحداثة، التحديث، ما بعد الحداثة، العولمة، الشوملة، نهاية التاريخ، مآزق الهوية، وهي لا قدرة للمتلقي المسلم على استيعابها ولا طاقة له على صرفها أو مضاهاتها. ويدعو المؤلف، على لسان المفكر طه عبد الرحمن، إلى أن يبتدع المجتمع المسلم مفاهيمه أو إعادة إنتاج وإبداع مفاهيم غيره، حتى لتبدو كأنها إبداعاته هو.
ويختص الفصل الثالث في الكتاب بتوضيح كيف أن المفهوم الفلسفي يسهم في الوصل بين العلوم الاجتماعية، من أجل فعل تواصلي يراعي معايير منطق الخطاب، ويحرص الكاتب إثرها على معالجة ودراسة تحولات العلاقة بين الفلسفة والحداثة، من التوجه وتأسيس المشروعية إلى النقد الجذري والمواجهة، ويفرد في هذا الشأن مساحة مميزة للحديث عن نظريات النقد المابعد حداثية، ومن ثم تتبع خطاب الاستشراف والنظر إليه، لا من زاوية تقاليد النقد التي تربط بالاستعمار والدوافع اللاعقلانية، إنما باعتباره خطاباً يجد ضماناته التأسيسية في الفلسفة الذاتية التي أضحت تهمة معرفية في الفلسفة المعاصرة.
ويعنى الفصل الثالث في الكتاب بقضية المعنى الفلسفي لعودة المكبوت الديني في الثقافات المعاصرة، ويرى بلعقروز ان مبررات العودة للدين في الثقافات المعاصرة، (والتي تختلف باختلاف السياقات ولانتماءات الحضارية)، يمكن إحصاء بعضها في:
أولًا التهديد الذي باتت تمثله بعض الأخطار الغامضة التي تظهر لنا كما لو كانت غير مسبوقة، ولا مثيل لها في تاريخ الإنسانية، أي (الخوف من اندلاع حرب ذرية التمظهر الجديد للعلاقات الدولية المتواترة، والقلق من التغيرات الايكولوجية الممكنة، والتلاعب بالهندسة الوراثية).
وثانياً فقدان معنى الوجود أو الإحساس بالملل العميق الذي يصاحب الإقبال الجنوني على الاستهلاك. وثالثاً انخساف المحرمات الفلسفية الموجهة ضد الدين وتفكك الأنساق الكبرى. ورابعاً تخلي الفلسفة والفكر النقدي عن مفهوم الأساس، والعجز في المقابل عن إعطاء معنى للوجود.
ويتعمق بعدها مؤلف الكتاب في دراسة روح العولمة وتحولات مهمة الفلسفة، متناولًا العناصر المشتركة والأبعاد الكونية للتجربة الصوفية، إضافة إلى مفاعيل العولمة وكيف أعادت العديد من المفاهيم، ومن أبرزها مفهوم المجتمع المدني الذي أضحى مفهوماً كونياً أو ما بعد قومي، يتجاوز المضائق الإقليمية إلى الفضاءات العالمية.
كما يوضح بلعقروز كيف أن أخلاقيات التواصل ممكنة من منظور البحث التداولي. وينتقل إلى توصيف العولمة في القول الفلسفي العربي المعاصر، وطرافة هذه المقاربة تأتي من تنوع المواقف الفلسفية من العولمة، بين من يدعو إلى الانخراط في عصرها وإتقان لغتها والخروج من وهم العولمة البديلة إلى العقلانية المختلفة، وبين من يؤسس لترشيدها وإعادة بنائها بفك الارتباط بينها وبين نتائجها، التي تضر بالبعد الأخلاقي للإنسان من حيث هو كذلك، فضلاً عن موقف آخر يبصر فيها «أي العولمة»، زمن التحقق الأقصى لمتتالية الترشيد العلماني، باجتثاثها لعنصر القداسة عن الإنسان والحياة، وإدراجهما ضمن عالم الأشياء.
الكتاب: تحولات الفكر الفلسفي المعاصر أسئلة المفهوم والمعنى والتواصل
تأليف: عبدالرزاق بلعقروز
الناشر: الدار العربية للعلوم 2009
الصفحات: 287 صفحة
القطع: الكبير
حواس محمود
تعليقات
إرسال تعليق