قراءة في كتابي المعرفة والارتياب المساءلة الارتيابية لقيمة المعرفة عند نيتشه شتاء 2014 التلفزيون الجزائري رفقة محمد كاديك ورشيدة خوازم
قُرئ فريدريك نيتشهNietzsche قراءات مكثّفة وتُأُول تَأَوُّيلاَت مُتَصارعة؛ والأدهش أن هذه التَّأوُّلات تَنْطَلق جميعها من نصّ نيتشه الذي لا يتقدّم إلينا في وحدته إلا على صعيد الإسم، وداخل هذا الاسم مُسَاءَلات نقدية كبرى وبرامج تشريعية تراهن على الكَوْنِ في مستوى التّحدّيات التي يقتضيها رِهان التَّفلسف في كيفية استبصار المخارج واستعادة الدَّهشة الفلسفية من جديد بعد هيمنة حقب الأفلاطونية اللاّغية لأيّ أفق فلسفي خارج أفق المثال-الجوهر- الحقيقة . لقد فقد اسم نيتشه إحالته المعهودة إلى نمط من التَّفلسف تَخلّقَ في لحظات التحوُّلات الحضارية التي لازمت القرن التاسع عشر، أو فنّا في المنهج أو فلسفة في التقييم؛ صار اسم نيتشه علامة على أخطر سؤال يطفح على سطح الفكر وعرض على تشخيص وفَحْصٍِ غير معهودين لِلمسالك المريضة التي يُدبّر بها إنسان الثقافة الغربية وجوده في سُكْنى العالم الغريبة، هذا الانسان الذي هو الآخر ليس واحدا إلا على صعيد الاسم، ففي دواخله تَنْغَرِسُ تَأَوُّلات الأديان والثَّورات السياسية ونُظُم القيم الموروثة وهو على التّحقيق لا يَعْرِفُ نَفْسَه، لأنه لم يطرح هذا السؤال عن نَّفسه ولم يُكاشف حقيقة ذاته فكيف تتأتّى له هذه الغاية؟.
إن سؤال المعرفة عن الذّات بتحقيب نواتجها المعرفية ووسائلها الإدراكية وقيمتها بالإضافة إلى الحياة بالمعنى الذي خمّنها فيه نيتشه؛ علامة فارقة على زعزعة يقينيات وثوابت مُتأصّلة في الذَّاكرة الفلسفية كتخصيص الإنسان بِوصْفِ التّفكُّرِ؛ وتوجيه هذا الوصف التّفكُّري نحو اكتناه جوهر الحقيقة القُصْوى، واعتبار هذه الحقيقة جوهرانية مُنْفَصلة عن الصَّيرورة وواحدة ومُتعالية، وهذا التصور للحقيقة الموروث عن أفلاطون وبارمنيدس هو الذي أسّس عهد الحقيقة الأزلية الثَّابتة والكلية في الفلسفة والميتافيزيقا وبعدهما في المعرفة العلمية.
وإنه يجوز القول تبعا لهذا الـتأسيس؛ إن هذه الحقبة برُمّتها صارت تنتمي إلى حقبة المعرفة بما هي موضوع الفكر، أو لنقل : حقبة السعي وراء المعرفة، تبدأ من أفلاطون وتُشرف على خَتْمها مع الإغلاق الفلسفي عند هيجل، لكن تفكير نيتشه في مسألة المعرفة لا يمكن إدراجه ضمن هذا النّسق الفكري والمسار التاريخي؛ لأنّه فَكَّرَ المسألة من زاوية " ذرائعية المعرفة النّافعة بماهي ذرائعية الخطأ والوهم" وليس من زاوية التصور الميتافيزيقي التقليدي للمعرفة . من هنا فإن حقبة أخرى تَلَتْ حقبة السّعي وراء المعرفة، هي حقبة استشكال أمر الشغف الإنساني بالمعرفة ونزع بدائهه، وذلك بتغيير استراتيجية السؤال من: ما هي الحقيقة بماهي موضوع المعرفة ؟ وكيف نحَضْىَ بالقَبْضِ عليها؟ إلى الصّياغة التساؤلية: من يبحث عن المعرفة ؟ ماذا يُريد في نهاية الأمر وفي التّحليل الأخير ذلك الذي ينشغف بالبحث عن المعرفة ؟. ومن هذا الأسئلة يخرج نيتشه بأكثر آرائه خطرا في مُشكلة المعرفة. إن الحقيقة بما هي موضوع المعرفة لا تسكن الماهيات والجواهر؛ ولم تُخترع للتعبير عن هذه الجواهر والماهيات؛ وإنما جرى اختراعها في نُسَخها الميتافيزيقية والفلسفية والعلمية من أجل النّفع والفاعلية وضرورات الحياة، ومن أجل الاستقْواء، وتلبية دوافع الرَّغبة في الهيمنة. والسّبب الكامن خلف اختلاف التآويل وتعددها وتناقضاتها، هو اختلاف أركان النّظر، واختلاف أهداف البحث عن الحقيقة. وهي آراء تقترب من نظرية السوفسطائيونالقدامي في مطابقتهم بين الحقيقة والمنفعة وفي رفضهم للتمييز بين ظواهر الأشياء وحقائقها.
تعليقات
إرسال تعليق