يمكن لنا إجراء المُمايزة في العلاقة بين العلم والأخلاق بين منظورين هما : المنظور الموروث من عقلانية القرن السّادس عشر، التي أسَّس لها رونيه ديكارت رياضيا، وفرنسيس بيكون تجريبيا، وبين المنظور الرّاهني الذي تشكّل في سياق نقد نظام العلم الموروث هذا، وإعادة بناء عقلانية أخرى مختلفة، ليست للأخلاق فيها منزلة النّوافل أو الجزئية ، وإنما المكانة التّأسيسية أيضا، فإذا كان كانط قد طرح سؤالا كان هو صدى لعقلانية القرن الثَامن عشر العلمية : لماذا يحتاج العلم إلى تأسيس فلسفي؛ فإننا نطرح بدورنا سؤالا شبيها هو : لماذا يحتاج العلم إلى تأسيس أخلاقي ؟. إن السّمات الأساسية التي ميّزت الحقبة الأولى؛ يمكن اختصارها في بناء شرائط البرهان العلمي، بمعزل عن الاعتبارات الأخلاقية، فقواعد المنهج عند ديكارت الشّهيرة، لا أثر فيها للاعتبارات الأخلاقية، فهناك : التَّحليل و الترَّكيب والإحصاء و المراجعة، وهي خطوات علمية منهجية إجرائية باردة، ولذا، فإنّ الملامح الجوهرية لهذا النموذج الإرشادي الذي يفصل بين العلمي والأخلاقي تظهر في : الحياد القيمي/الإثبات التّجريبي/ الصياغة الرياض...