ابن خلدون و تربية الفكر الإنساني : من الصّناعة إلى الطّبيعة د عبد الرزاق بلعقروز

ثـمَّة نوع آخر من التَّطبُّع لا يقلُّ تعطيلاً أو تكبيلاً لإنجاز التربية الفكرية عن التَّطبُّع الثقافي الذي هو من صميم الفلسفة الطبيعية، لأنّه آتٍ من عوالم الفلسفة الصناعية وسمات المفاهيم والاصطلاحات، ونقصد به الآثار التي تتركها تعاليم المنطق والعلوم في تفكير الإنسان، فهي وإن كانت من أمارات إعمال الفكر في الأشياء والظّفر بثمرات منهجية في الفكر والعلم؛ إلا أنَّ التُّخمة منها قد تحول دون إبصار الحقيقة بما هي أفق مفتوح ومستمر ومنفتح؛ وقد استطاع ابنُ خلدون أن يتلحَّظ هذا النَّوع من التطبع في الفصل السَّابع والثلاثون من الباب السادس، من المقدمة تحت عنوان "في وجه الصَّواب في تعليم العلوم وطريق إفادته"، من خلال عنوان فرعي هو "الفكر الإنساني"، ففي هذا المبحث يحاجج ابن خلدون على صلاحية الاستناد إلى معيار الطَّبيعة الفِكرية الأصلية التي فطرالله بها الإنسان في تصَيُّد الإمام الأوسط (الحد الأوسط) في العلوم،ثم شرع بعد ذلك في بناء تقابل منهجي بين الفطرة الفكرية الأصلية وبين الصناعة المنطقية ومباحث الألفاظ والمفاهيم،فالصّناعة المنطقية ليست شيئاً متميزاً وفائقا عن الفكر الإنساني كما...